رزنامة زراعية فعّالة وتنظيم محكم كفيلان بضبط الأسعار والاستيراد
صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
وسط حالة من الإرباك تعيشها الأوساط الزراعية بين الحين والاخر نتيجة عمليات التصدير والاستيراد غير المنسقة، يعود ملف الإنتاج الزراعي إلى الواجهة، مدفوعًا بغياب التخطيط المسبق لكميات وأنواع المحاصيل، وتراجع دور الأطر المؤسسية في ضبط إيقاع السوق.
وبينما تتفاقم الأزمات الموسمية من فائض إنتاجي واختناقات تسويقية تساهم برفع الاسعار، حذر خبراء بالقطاع الزراعي من استمرار السياسات غير المتكاملة التي أضعفت القطاع.
وأكدوا خلال حديثهم لـ”صدى الشعب” على أن تنظيم الإنتاج بات ضرورة استراتيجية لا تحتمل التأجيل، لضمان الأمن الغذائي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي للمزارعين.
فوضى الإنتاج الزراعي نتاج سياسات غير متكاملة
دعا خبير الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي إلى اعتماد تنظيم الإنتاج الزراعي كأولوية وطنية في الأردن، مشددًا على أن هذه الخطوة لم تعد خيارًا يمكن تأجيله، بل ضرورة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي واستدامة الموارد وزيادة دخل المزارعين.
وقال الزعبي، خلال حديثه لـ”صدى الشعب” إن تنظيم الإنتاج الزراعي لا يُعد مجرد سياسة قطاعية، بل يمثل أداة استراتيجية لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد.
وأوضح أن وجود آليات واضحة للتخطيط الزراعي يمكّن المزارعين من إنتاج محاصيل تتناسب مع احتياجات السوق المحلية والإقليمية، ما يساهم في تقليل فائض الإنتاج الذي يؤثر سلبًا على الأسعار ويضعف العوائد المالية للمزارعين.
وأضاف أن التنظيم الزراعي يفتح المجال أمام تبني الزراعة الذكية، التي تشمل تقنيات الري الحديث والزراعة الدقيقة، وهو ما يسهم في رفع الكفاءة الاقتصادية وخفض نسب الفاقد.
وبيّن أن هذا النهج يمكن أن يحوّل التحديات المناخية إلى فرص اقتصادية، من خلال تعزيز التنافسية وزيادة القيمة المضافة للمنتجات الزراعية عبر التصنيع الغذائي والتصدير.
وأشار إلى أن التنظيم الزراعي من شأنه أن يعزز الشراكة بين المزارعين والمصنّعين والتجار، ويقوي من قدرة الأردن على أن يصبح مركزًا إقليميًا لتجارة المنتجات الزراعية عالية الجودة.
ضعف قواعد البيانات ابرز التحديات أمام التنظيم الفعّال
وأشار إلى وجود تحديات معقدة تحول دون تطبيق التنظيم الفعّال، أبرزها غياب التنسيق المؤسسي بين الجهات الرسمية المعنية والاتحاد العام للمزارعين والجمعيات التعاونية، ما أدى إلى تشتت الجهود وتداخل الصلاحيات.
كما لفت إلى أن ضعف قواعد البيانات الزراعية وغياب نظم معلومات دقيقة يعيق عملية التخطيط السليم للمواسم والمحاصيل، إضافة إلى أزمة المياه المزمنة وارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، والتي تجعل المزارعين أكثر عرضة للخسائر في ظل غياب سياسات دعم واضحة.
ونبّه إلى أن تقلب الأسواق وغياب آليات تسويق جماعية يتركان المزارع في مواجهة مباشرة مع الوسطاء، الذين يستحوذون على الجزء الأكبر من العوائد، وهو ما يزيد من التحديات الاقتصادية التي تواجه العاملين في القطاع.
المزارع الحلقة الأضعف في غياب الأطر المؤسسية
وتطرق الزعبي إلى السياق التاريخي الذي مرت به الزراعة الأردنية، مشيرًا إلى أن القطاع شهد منذ منتصف القرن الماضي مسارًا متقلبًا بين الطموح والارتباك.
وأوضح أنه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، توسعت مشاريع الري الكبرى وارتفعت مساهمة الزراعة في الاقتصاد الوطني، غير أن غياب الحوكمة التشاركية أدى إلى نشوء مؤسسات متعددة تعمل بشكل منفصل، ما ساهم في إضعاف التكامل المؤسسي المطلوب.
وأضاف أنه مع التحولات الاقتصادية التي شهدتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، تراجع الدور المباشر للدولة في القطاع دون أن يتم بناء إطار مؤسسي بديل، ما فاقم الفوضى التنظيمية، وخلال العقدين الأخيرين، ازداد التشظي بين النقابات والجمعيات والاتحادات، الأمر الذي جعل المزارع الحلقة الأضعف في سلسلة القيمة، وأسهم في وقوع خسائر اقتصادية متكررة نتيجة قرارات غير منسقة.
وقال إن هذا المسار يوضح أن غياب التنظيم لم يكن حالة مؤقتة، بل نتيجة تراكمية لسياسات غير متكاملة استمرت لعقود.
إنشاء غرفة زراعية متخصصة بالتسويق والتمثيل التجاري
وأكد الزعبي أن الحاجة اليوم باتت ملحة لإعادة الاعتبار للقطاع الزراعي من خلال تنظيم الإنتاج، داعياً إلى إنشاء غرفة زراعية متخصصة تُعنى بالتسويق والتمثيل التجاري، وتعمل بالتكامل مع الاتحاد تحت إشراف وزارة الزراعة، إضافة إلى تطوير قواعد بيانات وطنية دقيقة، وتفعيل التخطيط التعاقدي بين المزارعين والمصنّعين والتجار.
وأشار إلى أهمية إنشاء مراكز للفرز والتعبئة والتبريد لضمان جودة المنتج الزراعي، مؤكّدًا أن تفعيل هذا النهج ضمن إطار مؤسسي قوي قائم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من شأنه أن يعيد للزراعة الأردنية دورها الحيوي في الاقتصاد الوطني، ويضمن استدامة الموارد، وزيادة دخل المزارعين.
