صدى الشعب – كتب رئيس التحرير خالد خازر الخريشا
في آب من عام 1967 انعقدت قمة الخرطوم في السودان بعد نكسة حزيران المدوية والتي خسر فيها العرب أراضي واسعة من فلسطين وسيناء والجولان خرجت القمة بقرار شهير حمل اسم “اللاءات الثلاث” : لا صلح ، لا اعتراف ، لا تفاوض مع إسرائيل كان ذلك البيان تعبيرًا عن وحدة الموقف العربي في مواجهة ألاحتلال ورسالة قوية بأن العرب مجتمعون على رفض أي شكل من أشكال التطبيع قبل استرداد الحقوق ومرت السنوات وتبدلت ألمعادلات لكن سؤالًا جوهريًا يفرض نفسه اليوم : ماذا بقي من قمة الخرطوم واللاءات الثلاث ؟
بعد مرور أكثر من نصف قرن تبدو اللاءات الثلاث وكأنها سقطت واحدة تلو الأخرى فـ”لا صلح” انهارت مع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، حين قبل الرئيس المصري أنور السادات الصلح مقابل استعادة سيناء ثم تبع ذلك “لا تفاوض” التي تبددت مع مؤتمر مدريد عام 1991، حين جلس العرب والإسرائيليون على طاولة واحدة برعاية دولية أما “لا اعتراف”، فقد تحولت تدريجيًا إلى اعتراف متبادل مع اتفاقية أوسلو 1993، التي أسست لسلطة فلسطينية على أجزاء من الضفة وغزة وغيرها من المعاهدات العربية مع اسرائيل .
اليوم ومع ما يسمى بـ”اتفاقيات أبراهام” التي وقعتها بعض الدول الخليجية والمغرب والسودان، بدا وكأن صفحة جديدة قد فُتحت في التاريخ العربي، حيث انتقل التطبيع من الاستثناء إلى العلن ومن السرية إلى العلنية ، والسودان بلد قمة الخرطوم واللاءات الثلاث وجد نفسه بعد نصف قرن يوقع على اتفاق تطبيع مع إسرائيل، في مشهد يعكس حجم التحولات الجذرية التي شهدتها المنطقة .
غير أن هذا التحول لم يكن مجرد تنازل سياسي بل تعبير عن تراجع مفهوم “العمل العربي المشترك “، مقابل صعود الحسابات القطرية الضيقة والمصالح الاقتصادية والسياسية الخاصة بكل دولة وبينما كانت قمة الخرطوم تعبيرًا عن وحدة الصف بعد الهزيمة فإن المشهد العربي الراهن يعكس تشرذمًا وانقسامًا بل وقطيعة في أحيان كثيرة ويبدو أن المرة الاخيرة التي كان للعرب فيها موقفا موحدا كانت عند طرح المبادرة العربية للسلام .
لكن ورغم ذلك ، فإن القضية الفلسطينية لم تغب فما زالت الشعوب العربية ترى في فلسطين قضيتها المركزية ، حتى وإن غابت عن أولويات بعض الأنظمة وما زالت المقاومة ، بأشكالها المختلفة ، حاضرة في المشهد لتقول إن اللاءات الثلاث قد تهشمت رسميًا لكنها ما زالت حية في ضمير الشعوب .
إذن ماذا بقي من قمة الخرطوم ؟ بقيت الذاكرة التي تذكرنا بمرحلة كان فيها الصوت العربي واحداً وبقيت الفكرة التي تلهم الأجيال بأن الموقف الموحد ممكن وإن تبدد في السياسة الرسمية أما اللاءات الثلاث ، فقد صارت عنوانًا لمفارقة تاريخية بين زمن وحدة الشعارات وزمن تعدد المصالح .
مع صعود ترامب لم تعد ” إسرائيل” بحاجة حتى إلى تقديم وهم الحلّ العادل جاءت صفقة القرن لتؤكّد أنّ الاحتلال ليس مضطراً لتقديم أيّ تنازلات بل العكس يمكنه فرض رؤيته بالكامل بينما يتمّ الضغط على الفلسطينيين للقبول بالأمر الواقع ثم جاءت اتفاقيات التطبيع ، حيث تسابقت بعض الدول العربية نحو التقارب العلني مع “إسرائيل” من دون أيّ مكاسب سياسية أو التزام بوقف العدوان ولم تعد القضية الفلسطينية حجر عثرة أمام العلاقات مع الاحتلال بل أصبح بعض العرب شركاء في تصفية القضية عبر تمرير مشاريع مثل التهجير القسري، والتضييق على المقاومة ، والتعاون الأمني مع الاحتلال ويبقى السؤال مطروحًا : هل يمكن أن تعود اللاءات الثلاث إلى الحياة ، ليس كشعار بل كإستراتيجية فعلية ، أم أن قطار التطبيع مضى إلى غير رجعة ؟






