صدى الشعب – كتبت سُهاد طالباني
في 21 حزيران 2025، دخلت الولايات المتحدة رسميًا في قلب الصراع بين إسرائيل وإيران، عندما شنت هجمات جوية دقيقة على ثلاثة من أهم المواقع النووية الإيرانية: فوردو، نطنز، وأصفهان. الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصف العملية بأنها “ناجحة للغاية”، معلناً استهداف قدرات إيران النووية باستخدام قاذفات الشبح B-2 وقنابل خارقة للتحصينات بوزن 30 ألف رطل من طراز GBU-57.
ما حصل لم يكن مجرد ضربة عسكرية؛ بل لحظة فاصلة أدخلت العالم في مرحلة جديدة من المواجهة، مع ما تحمله من احتمالات التصعيد والانعكاسات السياسية والاقتصادية الخطيرة.
اعتمدت العملية على تنسيق وثيق مع إسرائيل التي زودت الأميركيين بالمعلومات الاستخباراتية، وذلك بعد أسبوع من الهجمات الإسرائيلية المكثفة على مواقع نووية وعسكرية إيرانية. ومع أن طهران قالت إنها أخلت المواد النووية من المواقع المستهدفة قبل الضربات، إلا أن التقييمات الأميركية الأولية تشير إلى تدمير شبه كامل لمنشأة فوردو تحت الأرض.
لكن لماذا الآن؟ التصعيد جاء بعد انهيار المفاوضات غير المباشرة التي قادتها تركيا، وفشل إيران في الاستجابة لإنذار ترمب لتفكيك برنامجها النووي خلال أسبوعين. ما سبق الضربات كان سلسلة من الرسائل المتبادلة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، بلغ ذروته بإطلاق إيران لأكثر من 450 صاروخاً على إسرائيل.
رد إيران قد لا يتأخر، لكن نوعيته ما زالت موضع تكهن. فالمرشد الأعلى علي خامنئي تحدث عن “عواقب أبدية”، ما يشير إلى نية طهران الرد، ولو بشكل غير مباشر. والسيناريوهات المطروحة تشمل ضرب قواعد أميركية في العراق وسوريا، أو شن هجمات على إسرائيل، أو اللجوء إلى أدوات غير تقليدية كأذرعها في المنطقة كحزب الله، والحوثيين، وحماس. كما خيار إغلاق مضيق هرمز يبقى الأكثر تهديدا للاقتصاد العالمي، إذ يمر عبره 30% من صادرات النفط البحرية.
في المقابل، يرى البعض أن إيران قد تتريث، لاعتبارات تتعلق بضعف قدراتها العسكرية التقليدية، ولضمان عدم الانجرار إلى حرب مفتوحة قد تفضي إلى انهيار داخلي. كما أن الضغط الاقتصادي وتنامي السخط الشعبي قد يدفع القيادة الإيرانية نحو مخرج دبلوماسي، إذا ما توفرت ضمانات فعلية من الغرب.
هناك ايضاً مخاطر تتجاوز الجغرافية الإقليمية، كارتفاع أسعار النفط، واضطراب الأسواق، ناهيك عن احتمالات تسابق دول أخرى على امتلاك قدرات نووية كوسيلة للردع، ما يهدد نظام عدم الانتشار برمّته. الولايات المتحدة نفسها قد تجد نفسها غارقة في مستنقع جديد، يتناقض مع وعود ترمب بسياسة “أميركا أولاً” التي روجت لعدم التدخل العسكري في دول أخرى.
الانقسام بين الخبراء واضح، فالبعض يرى أن الضربات وجهت صفعة قوية لقدرات إيران النووية، وفتحت نافذة لفرض تسوية دبلوماسية بشروط أميركية. فيما يحذر اخرون من أن إيران ستعيد بناء برنامجها بسرية أكبر، وأن الضربة ستقوي المتشددين في طهران وتكرّس دورة عنف جديدة.
في النهاية، ما جرى ليس إلا مقامرة جيوسياسية عالية المخاطر. نجاحها في تعطيل البرنامج النووي الإيراني لن يعني شيئاً إن تبعها انفجار واسع في المنطقة. الكلمة الفصل ستكون في رد طهران، وفيما إذا كان العالم سيستثمر هذه اللحظة للعودة إلى طاولة المفاوضات، أو السير نحو صيف ملتهب آخر في الشرق الأوسط.