ابو نجمة لـ”صدى الشعب”: جهود مكافحة ظاهرة عمل الاطفال محدودة

فجوات واضحة في تنفيذ القرارات

صدى الشعب – زيد الشرايعة
أكد الخبير في شؤون العمل والعمال، ومدير مركز بيت العمال، حمادة أبو نجمة، أن الجهود المبذولة من قبل وزارة العمل لمواجهة ظاهرة عمل الأطفال ما تزال محدودة وتعاني من فجوات واضحة في التنفيذ، رغم وجود استراتيجية وطنية وضعت خصيصًا للحد من هذه الظاهرة للفترة ما بين 2022–2030.

وأشار أبو نجمة خلال حديثه لـ”صدى الشعب” إلى أن المؤشرات المتاحة والوقائع الميدانية تعكس محدودية الأثر الفعلي للجهود الحالية، موضحًا أن غياب المسح الوطني منذ عام 2016 يشكل عائقًا كبيرًا أمام تقييم مدى فعالية الاستراتيجية الوطنية أو توجيه الموارد بطريقة دقيقة وفعّالة.

وبين انه بالرغم أن هناك جهودًا في مجال التفتيش على أماكن عمل الأطفال، إلا أنها تظل ضعيفة التأثير، وذلك نتيجة لمحدودية الكوادر البشرية، وعدم الوصول الكافي إلى المناطق المصنفة على أنها عالية الخطورة، إلى جانب اتساع نطاق الاقتصاد غير المنظم الذي غالبًا ما يخرج عن نطاق الرقابة الفعلية للجهات الرسمية.

الفقر والتسرب المدرسي عوامل رئيسية

وأشار أبو نجمة إلى أن الفقر والتسرب المدرسي لعبا دورًا مباشرًا في دفع الأطفال إلى الانخراط في سوق العمل، لا سيما بعد جائحة كوفيد-19 التي عمقت الأزمات الاقتصادية وأثرت بشكل مباشر على دخل الأسر.

وأوضح أن الكثير من الأسر لم تعد قادرة على تغطية نفقات التعليم، ما أسفر عن تسرب أعداد متزايدة من الأطفال من المدارس، خصوصًا في المناطق الريفية والمناطق ذات الخدمات المحدودة.

ورغم أن هذين العاملين يشكلان سببين جوهريين لاستمرار ظاهرة عمل الأطفال، إلا أنه أشار إلى أن الجهود الوطنية لم ترتقِ بعد إلى المستوى المطلوب في استهداف الأسر المتأثرة عبر برامج دعم تعليمي أو اقتصادي فعّالة، تضمن بقاء الأطفال في مقاعد الدراسة وتقلل من اعتمادهم على العمل كمصدر دخل.

الزراعة والبناء والتجارة قطاعات جاذبة للأطفال في غياب الرقابة

وفيما يتعلق بالقطاعات الأكثر استقطابًا للأطفال العاملين، أشار إلى أن الزراعة، والبناء، وإصلاح المركبات، والتجارة تأتي في صدارة هذه القطاعات.

وأرجع ذلك إلى ضعف الرقابة وسهولة إدماج الأطفال في هذه القطاعات دون الحاجة إلى استيفاء متطلبات قانونية أو تنظيمية.

وأوضح أن قطاع الزراعة يعد الأخطر على الإطلاق، حيث يجمع بين ظروف العمل القاسية، وغياب شبه كامل للرقابة، وتعدد الإصابات المحتملة، إلى جانب فترات العمل الطويلة وانخفاض الأجور، أما قطاعا التجارة وإصلاح المركبات، فيشكلان غالبًا مدخلًا مبكرًا لالتحاق الأطفال بالعمل غير المنظم في المدن.

غياب أدوات الحماية والسلامة يعرض الأطفال لمخاطر جسدية ونفسية

وعن توفر أدوات الحماية والسلامة للأطفال العاملين، أوضح أن الغالبية العظمى من الأطفال لا يحصلون على أي شكل من أشكال الحماية الفعلية، وأن معدات السلامة والتدريب غائبة في معظم أماكن العمل، وخاصة ضمن الاقتصاد غير المنظم، مرجعاً ذلك إلى ضعف الرقابة، وقلة الوعي لدى أصحاب العمل، وغياب ثقافة الوقاية.

وأشار إلى أن هذا النقص لا يعرض الأطفال فقط لخطر الإصابات الجسدية، بل ينعكس أيضًا على صحتهم النفسية، خصوصًا مع تعرض العديد منهم لضغوط شديدة ولساعات عمل طويلة في بيئات غير آمنة وغير صحية.

وفي ما يخص الأثر الصحي لعمل الأطفال، قال إن المعطيات الميدانية تشير إلى معاناة الأطفال العاملين من الإرهاق البدني المزمن، والحرمان من النوم الكافي، والانكشاف المتكرر على الإساءات اللفظية والجسدية، ورغم غياب دراسات وطنية حديثة شاملة، إلا أن الأدلة الدولية، لا سيما تلك الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية، توثق بشكل واضح الأثر النفسي والجسدي الخطير لعمل الأطفال، خاصة عندما يكون في بيئات خطرة أو يمتد لفترات زمنية طويلة.

دعم التعليم والحماية الاجتماعية

وتحدث أبو نجمة عن السياسات والإجراءات الأكثر فاعلية للحد من عمل الأطفال، مشددًا على أنها ترتبط مباشرة بـ تحسين أوضاع التعليم، وزيادة الدعم الاقتصادي للأسر، إلى جانب توفير الحماية الاجتماعية للأطفال المعرّضين للخطر.

ورأى أن الربط بين التعليم والحوافز المالية، وتعزيز البنية المدرسية، وتوفير برامج تعليمية تعويضية للأطفال المتسربين، تعد من العناصر الأساسية في أي سياسة فاعلة.

كما أشار إلى أهمية دمج قضية عمل الأطفال في برامج الحماية الاجتماعية والتشغيل الوطني، باعتبار أن ذلك من شأنه تحقيق توازن بين الحاجة الاقتصادية واحترام حقوق الطفل.

اللجوء السوري ساهم في تفاقم الظاهرة في المجتمعات الطرفية

وفيما يتعلق بتأثير اللجوء السوري على الظاهرة، أكد أن تدفق اللاجئين السوريين ساهم في تفاقم عمل الأطفال، خاصة في المجتمعات الزراعية والمناطق الطرفية، حيث أدى الضغط على الموارد وفرص العمل إلى دفع المزيد من الأطفال – سواء من اللاجئين أو من المجتمعات المضيفة – إلى سوق العمل.

وأشار إلى أن برامج دعم اللاجئين لا تأخذ في كثير من الأحيان بعين الاعتبار حماية الأطفال من العمل، بل تقتصر على تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات، ما يستدعي مراجعة شاملة لهذه البرامج، لربط الدعم الإنساني ببرامج حماية مستدامة وواضحة المعالم.

وشدد على أن تحسين الوعي المجتمعي يمثل مدخلًا أساسيًا للحد من ظاهرة عمل الأطفال، موضحًا أن الطريق يبدأ من تعزيز مفاهيم الحماية في المدارس، ودمج التوعية بحقوق الطفل في المناهج التعليمية، بالإضافة إلى إطلاق حملات إعلامية تستهدف أولياء الأمور وأرباب العمل.

وأكد أن ثقافة تقبّل عمل الأطفال لا تستند فقط إلى الحاجة الاقتصادية، بل إلى مفاهيم اجتماعية مغلوطة تبرر العمل المبكر وتقلل من مخاطره، مشددًا على أهمية *نشر المعرفة وربطها بالتشريعات، وتفعيل دور الإعلام المحلي ومنظمات المجتمع المدني في تغيير النظرة المجتمعية نحو هذه الظاهرة المتنامية.