لم تكن وفاة الطفل بشار 11 عاما في قناة الملك عبدالله قبل ايام الأولى وربما ليست الأخيرة في ظل غياب التوعية بين الناشئة وتوفر البيئة المساندة لثنيهم عن السباحة فيها.
والحال أن عشرات الأطفال قضوا غرقا في “القناة”، وفي كل مرة يتنادى المعنيون للبحث عن حلول ناجعة للحد من هذه الظاهرة المتكررة سنويا ثم سرعان ما يعود الحزن ليخيم على أهالي الوادي، من دون التمكن من الوصول إلى نتيجة، فالقناة ستبقى المقصد الأول لأطفال مناطق الشونة الجنوبية كما هي كذلك لسائر مناطق الغور، في ظل غياب أماكن ووسائل الترفيه البديلة.
“الغد” من جهتها كانت قد رصدت خلال العامين الماضيين 10 حالات وفاة لأطفال في هذه القناة التي أنشئت العام 1963 بطول 110 كم شرقي نهر الأردن، لتزويد المناطق الزراعية في وادي الأردن من العدسية شمالا حتى الشونة الجنوبية جنوبا بالمياه.
ويرى أحد أهالي المنطقة عواد الشطي، أن الجزء الأكبر من المسؤولية “يقع على عاتق الأهل كونهم المسؤول المباشر عن الأبناء وحمايتهم وتوعيتهم بالمخاطر”، مضيفا “ليس من المعقول أن نحمل السلطة أو البلدية المسؤولية الكاملة عن حالات الغرق رغم أنهم جزء من الحل.”
ويوضح أن حالات الغرق تزداد مع بدء فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، التي تدفع الأطفال إلى القفز في القناة والسباحة فيها حتى باتت مشهدا يتكرر كل يوم، مؤكدا أن عجز المؤسسات عن إيجاد مرافق آمنة كالمسابح وأماكن الترفيه ساهم في ارتفاع أعداد الوفيات.
ويؤكد ان الإجراءات التي تتخذها السلطة ما تزال غير كافية، إذ إن أجزاء كبيرة من السياج ممزقة، ما يسهل وصول الأطفال الذين لا يترددون في السباحة فيها للانتعاش بمياهها، قائلا إن “المفارقة أن القناة في المناطق غير المأهولة بالسكان تكون مسيجة، لكن في الأماكن القريبة من السكان غالبا ما يكون السياج مقطعا ومخربا.”
بدوره يبين المواطن محمد الغراغير أنه ورغم مرور أكثر من خمسين عاما على إنشاء القناة، إلا أن حالات الغرق تتكرر سنويا، ما يدل على “عدم وجود أي جدية في إيجاد حلول لهذه الظاهرة”، مشيرا إلى ان من الصعوبة السيطرة على الأطفال وسلوكهم خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، إذ تشكل القناة عامل جذب لهم في غياب البدائل الآمنة.
وعلى الرغم من تأكيده على دور الأهل المهم في الحد من حالات الغرق، إلا أنه لا يخلي مسؤولية سلطة وادي الأردن صاحبة الاختصاص والبلديات ووزارة الشباب ومؤسسات المجتمع المدني، من خلال العمل على وضع أسلاك شائكة على طرفي القناة ومتابعتها، وإجراء صيانة سنوية لها، فضلا عن العمل على توفير بيئة آمنة للأطفال من خلال إنشاء متنزهات ومتنفسات ومسابح عامة في مختلف المناطق المحاذية للقناة.
ويؤكد الغراغير أن “ما يسهل وصول الأطفال إلى مياه القناة عدم وجود سياج عليها، خاصة وأن قلة من ضعاف النفوس يقومون بنزع السياج لأسباب عدة”، لافتا إلى أنه “ومنذ عقود ومع كل حالة غرق يبدأ الحديث عن البحث عن حلول ناجعة لكن لم نر أي شىء على ارض الواقع”.
بدورهم، يشكو عدد من الأطفال من أن حرارة الأجواء هي ما يدفعهم الى السباحة والقفز في مياه القناة، مع علمهم بخطورة هذا التصرف، خاصة وأن القناة هي المكان الوحيد المتاح أمامهم الذي يسهل الوصول إليه، لافتين إلى ان غياب الأماكن الترفيهية والمسابح التي تمكنهم من قضاء أوقات فراغهم يدفعهم إلى الذهاب إلى القناة للسباحة رغم حالات الغرق المتكررة.
كما يجمع عدد كبير من اهالي الأغوار على ضرورة تشارك جميع الجهات المعنية في اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من حالات الوفاة الناجمة عن الغرق في قناة الملك عبدالله، خاصة وان حملات التوعویة المتكررة بضرورة عدم الاقتراب من القناة وخطورة السباحة فيها لا تلقى اهتماما من الاطفال، مطالبين بتشديد الحماية على جانبي القناة والعمل على إيجاد بدائل مشجعة كإنشاء الحدائق العامة والمسابح والملاعب والألعاب الترفيهية.
من جانبها، تؤكد سلطة وادي الأردن على لسان مساعد أمين عام سلطة وادي الأردن للأغوار الشمالية والوسطى المهندس ماجد خريسات، أن قناة الملك عبدالله مخصصة لأغراض الري وليس للسباحة، وهي من المواقع الخطرة التي يمنع الدخول اليها والاقتراب منها، مضيفا ان السلطة تعمل جاهدة للحد من هذه الظاهرة من خلال وضع الإشارات التحذيرية ووضع الأسيجة وصيانتها باستمرار، غير أن “تعرضها لأعمال التخريب من قبل البعض ينسف كل هذه الجهود”.
ويشدد خريسات على أهمية زيادة الوعي المجتمعي بمخاطر السباحة في القناة، للحد من حالات الغرق التي تتكرر سنويا، وهي مسؤولية مشتركة يفترض أن تضطلع بها جميع المؤسسات المعنية، سواء السلطة أو البلديات أو مؤسسات المجتمع المدني، مناشدا المواطنين والاهالي عدم السماح لأبنائهم من الاقتراب من المسطحات المائية وخاصة قناة الملك عبدالله لما لذلك من خطر على حياتهم.