راقبتُ «المسحّر» الذي يُقال أنه يأتي الى حارتنا في المنطقة «الراقية» التي أسكنها (لن أذكرها خوفا من الحسد). قيل أنه يأتي في الثانية الا ربعا. وأنا عادة أستيقظ في الثالثة والنصف فجرا. يعني لا أستفيد منه ولا من «طبلته».
وقيل ـ والعهدة على الجيران ـ، أنه يأتي في الواحدة فجرا. وقيل عن موعد ثالث وهكذا كثُرت الروايات.
ولكني لم أستكن. وظلت «سوسة» التحري الصحفي تتحرك في داخلي حتى «اصطدته» ذات ليلة وكانت الساعة ما بين الواحدة والنصف ليلا. وبالعين المجردة لاحظتُ أنه يسير في سيارة «بكب صغير» يعني «ميني بكب» .طبعا الشوارع مضاءة على سنجة عشرة فالمنطقة كما أسلفت «راقية». وسمعته ينادي باسمه ضمن نداءاته.
واستغربتُ أنه يفعل ذلك. الا إذا كان الرجل يظن أن اسمه «ماركة مسجلة» ويحمل دلالات معينة تؤثر في الصائم في وقت السّحر.
فترة عمل المسحّر «الديجيتال» لا تزيد عن خمس دقائق ثم يختفي باختفاء السيارة التي يقودها.
وعلى الفور أحالني المشهد الى زمن المسحّرين الحقيقيين الذين كانوا يشكّلون جزءا من مزاجنا الرمضاني. وكنا نعرفهم جيدا ونعرف أحوالهم ونعرف أقاربهم ومكان إقامتهم. وكنا نلتقيهم في الليل والنهار.
بعكس «مسحرين الديجيتال» العابرين، والذين كنت أتمنى أن يبعثوا لنا «مسجات» برنة «الطبلة» بدل الطواف السريع.
كنا نعرف المسحّرين زمان جيدا وأذكر واحدا منهم كنا ندعوه «أبو العرّاج» وكانت لنا معه ذكريات. فكنا صغارا في «الرصيفة» ننتظره ونتحدث معه ونناكفه ونضحك حين يتعرض لموقف حرج كأن يطارده كلب او يتعثر بحجر فيصرخ «آي» ويدعو على من وضع الحجر في طريقه.
كان ينادي سكان الحارة بأسمائهم: «إصحى يا ابو سمير» . «اصحى يا ابو عماد» . وللنساء الأرامل أو المطلقات كان ينادي «وحدي الله يا يا إم مسعود».
كان المسحّر زمان بنكهة «رمضان زمان»، وكان صوته يأتينا طازجا مثل ذبول الليل ومثل نعاسنا القديم.
كان…