تشير توقعات بعض المختصين إلى موجة ثالثة لفيروس كورونا، الذي أثبت، بما لا يدعو مجالا للشك، قدرته على التحور المستمر، والضرب من جديد. وبالفعل فقد بدأت هذه الموجة في عدد من الدول، ومنها جارتنا مصر، إضافة إلى عدد من دول أوروبا، واحتمال أن تحل علينا يتزايد، وقد تكون مسألة وقت، لا أكثر.
وحتى لا ننتظر الأرقام لتقفز مجددا، ونحن في غفلة وأمل ودعاء ألا يحدث، فدعونا نستعد من الآن، بداية من مراقبة تطورات الأوضاع في الدول التي بدأت تشهد ارتفاع وتيرة الموجة الثالثة، والأخذ بالحسبان الإجراءات المتبعة إن كان فيها جديد، والأهم الأعراض المتزايدة للفيروس، والتي حذر منها، على سبيل المثال، معهد “روبرت كوخ” الألماني لمكافحة الأمراض من أنها “قد تكون الأسوأ”.
وبحسب خبراء الصحة، فإن ما لدينا من إجراءات للتصدي للموجة الثالثة يتمثل بالاستمرار بتكثيف حملات التطعيم، وتشديد الدولة والأفراد لإجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي، وقد يكون هناك من الضروري رفع ساعات الحظر رغم تبعاته الاقتصادية المؤلمة. وهذا كله يعني في النهاية أننا في سباق مع الزمن لتوفير اللقاح، وتطعيم أكبر عدد ممكن من الناس، كمنفذ وحيد لإنقاذ أنفسنا من شرور كورونا وتحوراته المستقبلية، التي قد لا تنتهي قريبا.
إلا أن علينا، وبسرعة أيضا، استغلال هبوط أرقام الإصابات على أعتاب انتهاء الموجة الثانية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، والعمل على تعزيز قدرات منظومتنا الصحية، خصوصا أن السلطات في ألمانيا مثلا، وهي من الدول المشهود لها بصلابة بنيتها الصحية، قد حذرت من وصول نظامها الصحي إلى حدوده القصوى الشهر المقبل، بفعل موجات كورونا المتعاقبة، خصوصا الثالثة، وفي هذا عبرة لنا لنتحرك بحكمة. فنحن لا نملك ترف الوقت. ولعل أهم ما يمكن فعله هنا هو الاستعداد بمستشفيات ميدانية متخصصة أكثر في مختلف المحافظات، ما يقود إلى تخفيف العبء على المستشفيات العامة والخاصة، لتتفرغ لتقديم الرعاية الطبية والصحية العامة للمواطنين.
لكن الخطر الحقيقي من الموجة الثالثة قد يكمن في حالة التراخي المتزايد في إجراءات السلامة العامة من قبل الكثير من الناس، خصوصا ممن يعانون أوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة، وصلت بهم إلى حد اللامبالاة! وهنا على الدولة التدخل بسرعة ببرامج حماية اقتصادية كي لا يتفاقم الأمر أكثر.
كما لا بد من اتخاذ إجراءات حكومية تحمي القطاعات المتعطلة أو المتأثرة بشدة بعد أكثر من عام على الجائحة، وأهمها ضمان عدم إفلاس هذه القطاعات ودفع رواتب الموظفين، لكي لا ينتهي الأمر بمشاكل تؤثر على بنية المجتمع، لا قدر الله.
قد تكون المرحلة المقبلة ذات مخاطر في هجوم كورونا الشرس على البشرية، ما يتطلب التحلي مجددا بأعلى درجات المسؤولية والانضباطية، وإلا فإن المطاف قد ينتهي بنا أمام مصائب تتوالى.
صحيح أن الإحباط والتعب والخوف من المستقبل بفعل كورونا قد فعل فعلته في وجوه الناس ونفسياتهم، لكن التاريخ يعلمنا، وكما قال فيلسوف البشرية سقراط إن “الصبر له مذاق سيئ، لكن نتائجه جميلة”. فليكن الصبر سيد الموقف.