هل هذه حكومات مستشرقة؟

 

ألا يوجد خبراء في هذا البلد، لديهم القدرة على تغيير محتوى الكلام الرسمي، في التصريحات والمقابلات والرسائل، لان كل الذين يكتبون المحتوى، إما انهم يتسلون بنا، واما انهم يمارسون السحر والشعوذة، وإما أنهم مستشرقون أساسا، لا يعرفون هذه البلاد.
نفس الكلام المعلب والمعاد، في كل الظروف والتقلبات، وكأن الجمهور بلا ذاكرة، أو قليل الفهم والذكاء، ولدينا أمثلة كثيرة، تثبت هذا الإفلاس، الذي لم ار مثله في حياتي.
مثلا، يتواصل الحديث عن جلب الاستثمارات الخارجية، هذا على الرغم من أن الاستثمارات المحلية ذاتها، تهرب من الأردن، أو تغلق بسبب الإفلاس، ومنذ منتصف آذار حتى هذا التوقيت، أي سنة كاملة، كانت هكذا مدة كفيلة بإغلاق أو تضرر آلاف المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، وستلحقها بعض الكبرى، لكنهم ينسون هذا ويتحدثون عن الخارج.
يصر مسؤولون على مواصلة الحديث عن جلب الاستثمارات الخارجية، وهم لا يفلحون بثبيت الاستثمارات الموجودة أصلا داخل البلد، ولا يفلحون حتى في اقناع الأردنيين المستثمرين في الخارج، بالعودة إلى بلادهم من اجل الاستثمار، ومع كورونا، اشتد البلاء اكثر على الكل، وإجراءات الحظر المقبلة، ستعمق من الازمة، وتزيد حدتها.
يتم نثر الكلام البراق فوق رؤوسنا، من رؤساء الحكومات، والوزراء، هذا يتعهد، وذاك يقدم الوعود، وثالث يغيب شهورا ويعود ويقدم تشخيصه للأزمة، وكأننا نتعرف عليها لأول مرة.
لقد ظننا انه سيعود بالحلول، لكنه من باب ابراء المسؤولية ، أعاد تفسير الماء بالندى، وقدم تشخيصه للازمة، فتظن انك أمام وزراء يتعرفون على البلد أول مرة، وليس أمام وزراء يفترض ان يقدموا الحلول للرأي العام، وهم أيضا مثل غيرهم، يعانون من الاستعصاء، حيث لا يمكن لمن يعد شريكا في المشكلة، ان يكون هو الحل أو شريكا فيه.
القصة لا تقف عند هذا القطاع، ونسأل الحكومة التي ورثت ملف كورونا، من الحكومة السابقة، إذا ما كانت قادرة قبل الثامن عشر من آذار المقبل، أي الذكرى السنوية الأولى على وباء كورونا، والإغلاقات الشاملة والكاملة، على ان تخرج بتصور محدد ورقمي، حول كل الخسائر التي لحقتنا، من خسائر التعليم، حيث التجهيل والتضليل، ونهب الأهالي برسوم الأبناء، وأيضا انهيارات قطاع المدارس الخاصة بسبب انسحابات الطلبة، واضرار التحصيل في التعليم الحكومي، ومع هذا دقة رقمية في تقدير خسائر الافراد والوظائف والمؤسسات والشركات والمصارف والمشاريع أيا كان حجمها، على الصعيد الاقتصادي.
قرأنا، مثلا، عن خسائر المصارف، وتراجع أرباحها بمئات الملايين، بما يعني أيضا خسارة المساهمين، وخسارة ضريبة الدخل، وتراجع تدفق الأموال نحو الخزينة.
لقد آن الأوان ان تتخلى الجهات الرسمية، عن لغة التطمينات الزائفة، اللغة الخشبية، وعن ذات المحتوى البائد، وان تتخلى عن لعبة تشخيص الأزمات، وكأننا امام حكومات مستشرقة تتعرف على البلد، عند دوام يومها الأول فقط، مع ادراكنا ان كل شيء واضح مسبقا.
لا يعقل أن تتواصل ذات اللغة، فيما كل العالم يتغير، ويعاد إنتاج الدول والشعوب والاقتصادات، والناس ينتظرون الحلول، لا تشخيص الأزمات، لان الكل يراها.
لو طلبنا من كل وزير جردة حساب عن الأشهر الأربعة الماضية، لانعقد لسانه، وسنكون من الشاكرين لرئيس الحكومة لو أعاد تذكير الوزراء، اننا في ظرف مختلف، لا يحتمل إضاعة الوقت، ولا التشاغل بتشخيص الأزمات، وان مهمتهم وضع الحلول.
حمل الحكومة الحالية هو الأصعب، لأنها جاءت وقد حفرت كورونا بأنيابها، وهي سوف تشهد دخول العام الثاني لهذه الازمة، والواضح أن كل المؤشرات سلبية جدا، على صعيد تفشي الوباء، وإغلاق القطاعات مجددا، وتراجع الحركة الاقتصادية، وحتى واردات الحكومة وتحصيلاتها المالية، بما يؤثر أيضا على المديونية والعجز والاقتراض.
هناك اضطراب عام، على الصعيد النفسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو وضع لا تتم معالجته بذات المحتوى البائس الذي كان يتم تصديره للناس، في الظروف العادية، بل بمحتوى مختلف، بحاجة إلى من يفهم كيفيته، حتى يكون عنصرا في إدارة وتحفيز الداخل، وتحديد الاتجاهات، ولا يكون هذا حقا، الا بالخروج من قصة تشخيص الأزمات، التي نستغرق بها، نحو الحلول، فلهذا جيء بالحكومات، ولهذا تم تكليفها.
سندخل عاما ثانيا من كورونا بعمرها المديد، فماذا أعددتم له ولها ؟.

أخبار أخرى