صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
منذ اعلان وقف إطلاق النار على قطاع غزة، أطلقت العديد من الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل النشطاء حملات واسعة تدعو لاستمرارية مقاطعة المنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
وأصبحت المقاطعة وسيلة فعالة لدى العديد من المواطنين الأردنيين للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين، وتحولت إلى جزء أساسي من أساليب محاربة الاحتلال الإسرائيلي وداعميه، لتتجاوز كونها مجرد موقف عاطفي.
ومع تصاعد تبعات العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، شهدت حملات المقاطعة زخماً متزايداً وأثراً ملموساً، مما جعلها أداة حيوية في مواجهة الاحتلال.
وأظهرت نتائج استطلاع رأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أن أكثر من 90% من المشاركين التزموا بالمقاطعة، ما يعكس استجابة شعبية واسعة لهذه الحملة.
وعلى المستوى الاقتصادي، لوحظ تراجع ملحوظ في أداء العديد من الشركات العالمية، حيث أعلنت بعض منها عن إغلاق فروعها أو تضرر أسهمها، مما يبرز التأثير الكبير لحملات المقاطعة في الضغط على الشركات المتورطة في دعم الاحتلال.
العبسي: المقاطعة تحولت إلى سلوك يومي ولن تتراجع بعد انتهاء الحرب
وبهذا الشأن قال منسق تجمع “اتحرك لمجابهة التطبيع” في الأردن، محمد العبسي، إن حملات المقاطعة للمنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي التي شهدها الأردن تزامنت مع حرب الإبادة الجماعية في غزة وما رافقها من مجازر، كردود فعل شعبية.
وأوضح العبسي خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن هذه الحملات بدأت كردة فعل على المجازر، مشيرا إلى أنه في الوقت الحالي لا يمكن القول إن هذه الحملة ستنتهي بمجرد وقف إطلاق النار أو مع انتهاء جميع مراحل الحرب.
وأشار إلى أن ثقافة المقاطعة لم تكن جديدة، بل كانت موجودة منذ ما قبل السابع من أكتوبر، حيث كانت تنشط بين الحين والآخر نتيجة الحروب أو العدوان، لكنها كانت تقتصر على فترة العدوان أو المعارك.
وأضاف أنه بعد هذه الأحداث، كانت المقاطعة تنخفض وتقتصر على الناشطين المعنيين، لكن حاليا، ومع اتساع نطاق المقاطعة بسبب حرب الإبادة على قطاع غزة، أصبحت هذه الحملة ثقافة وسلوكاً يومياً في حياة المواطنين.
أوضح أن المقاطعة أصبحت مستدامة نتيجة عدة عوامل، أبرزها أن المواطنين اعتادوا على المقاطعة بعد مرور أكثر من سنة على الحملة، مما جعل من الصعب على من بدأ في المقاطعة التراجع عنها بعد هذه الفترة الطويلة.
وأضاف أن بروز المنتجات الوطنية كان من العوامل الرئيسة التي ساعدت على استمرار المقاطعة، حيث كان البعض يتذرع بعدم وجود بدائل للمنتجات الأجنبية، إلا أنه أصبح هناك بدائل محلية ذات جودة عالية، وخاصة في السلع الأساسية مثل المشروبات الغازية، التي أصبحت تنتج محلياً وبجودة عالية، مما جعلها قادرة على منافسة المنتجات العالمية.
وأكد أن المقاطعة لم تقتصر على تأثيرها في الشركات الأجنبية فقط، بل كان لها أيضاً تأثيرات إيجابية على سوق العمل المحلي، مضيفاً أنه كان هناك اعتقاد سابق بأن المقاطعة ستؤدي إلى زيادة البطالة، خاصة بين العمال الذين يعملون في الشركات المستهدفة.
ولكنه أوضح أن هناك آلاف الأشخاص الذين تم توظيفهم في الشركات المحلية التي حلت محل الشركات العالمية المقاطعة، مشيراً إلى إن بعض الشركات المحلية فتحت خطوط إنتاج جديدة، مما جعلها بحاجة إلى المزيد من العمالة، كما أن بعض الشركات الأخرى التي كانت موجودة بالفعل توسعت بسبب زيادة الطلب على منتجاتها البديلة.
أشار إلى أنه اليوم نرى أن بعض الشركات التي كانت تهيمن على السوق قد تراجعت أو خرجت تماماً من الأسواق الأردنية، في حين استطاعت الشركات المحلية أن تضع قدمها في السوق وتثبت وجودها.
وأضاف أن هذه الشركات المحلية أصبحت منتشرة في الأسواق والمطاعم والمحلات التجارية، مما يعكس النجاح الكبير الذي حققته المقاطعة في دعم الاقتصاد المحلي.
وأشار إلى أن التقارير الصادرة عن بعض الشركات العالمية تؤكد تراجع مبيعاتها في منطقة الشرق الأوسط، موضحاً أن الأردن لعب دوراً كبيراً في هذه المقاطعة التي تُعد الأكثر التزاماً في المنطقة.
وأوضح أن المقاطعة لم تكن مجرد رد فعل، بل تحولت إلى ثقافة يومية وممارسة مستمرة بين الناس، حيث أصبحوا يدركون فائدتها وأثرها على الاقتصاد الوطني.
وأكد على أنه بالرغم من انتهاء الحرب، فإن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال قائماً، وبالتالي لا يمكن التراجع عن المقاطعة، مضيفا أن الهدف من هذه الحملة هو دعم المنتج الوطني وتوجيه رسالة إلى الشركات العالمية التي تدعم الكيان الصهيوني.
وأشار إلى أن حركة المقاطعة ستستمر في تعزيز هذه الحالة الشعبية من خلال تكريس ثقافة المقاطعة في الحياة اليومية، والعمل على استدامتها حتى لو انتهت الحرب، حيث ستظل المقاطعة جزءاً أساسياً من الوعي الشعبي وسلوك المواطنين.
وشدد على أن المقاطعة أصبحت فعلاً ثقافة يومية عند الناس، وأن هذه الثقافة ستستمر وتنمو، حيث لن يمكن تجاهلها أو إيقافها في المستقبل.
عايش: استمرارية المقاطعة مرهونة بجودة المنتجات البديلة
وحول تأثيرها الاقتصادي قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن المقاطعة لم تعد تحمل اسمها التقليدي، بل تحولت إلى سلوك استهلاكي جديد لدى المواطنين الذين أصبحوا يفضلون استهلاك السلع والمنتجات الوطنية أو الصديقة.
وأوضح عايش خلال حديثه لـ”صدى الشعب” أن هذا التحول أدى إلى ظهور سلاسل إمداد جديدة نشأت نتيجة لهذا التغيير، حيث أظهرت شركات اقتصادية ومحلات تجارية ومطاعم وفنادق وكافيهات التزاماً بتقديم المنتجات البديلة لمستهلكيها.
وأضاف أن هذا التحول قد قاد إلى انتقال من المقاطعة الثورية إلى السلوك الاعتيادي الذي يعتمد على تفضيل المنتج الوطني في السوق، مما جعل هذا التفضيل نهجاً استهلاكياً عادياً لا يقتصر فقط على المقاطعة.
وأكد أن النتيجة المثبتة في السوق تمثلت في ظهور المنتجات البديلة التي أصبحت لها سلاسل إمداد ومستهلكون وصناعات جديدة، مما أسهم في توفير فرص عمل وتنوع اقتصادي في القطاعات الرئيسية والفرعية.
وأشار إلى أن استمرارية هذا السلوك الآن مرهونة بجودة المنتجات البديلة والمحافظة عليها، بالإضافة إلى تأثير الأسعار التي يتحملها المستهلك نتيجة التحول نحو هذه المنتجات.
وأضاف أن هذا التحول الاستهلاكي لم يعد مرتبطاً بالجدل حول ما إذا كانت السلع مقاطعة أم لا، بل أصبح تحولاً داخلياً نحو المنتجات الوطنية التي استفادت من الفرصة لتكون بديلاً عن المنتجات المستوردة.
ودعا الحكومة إلى تحويل هذا السلوك إلى سياسات تدعم وتحفز الإنتاج الوطني، موضحاً أن المقاطعة في الأردن كانت ذات طابع أخلاقي ولم تفرض أعباء على المنتجات المقاطعة، كما يحدث في بعض الدول الغربية التي تفرض ضرائب عالية على المنتجات المستوردة.
كما شدد على أهمية دعم المصانع المحلية من خلال تخفيض الضرائب عليها، حيث أن المقاطعة قد أسهمت في زيادة حصة المنتجات الوطنية في الأسواق.