كتب. الدكتور / محمود الرجبي
الوظيفة الحكومية حلم لكل شاب فِي الأرْدُنّ، وتاريخياً اعتاد النَّاس فِي الأرْدُنّ عَلَى بَعْض المقولات مثل إن الوظيفة الحكومية أمان مطلق، ومِن دخل مَجَال الحُكومَة وَصَلَ إلى بر الأمان، ولا يُمْكِنُ أن يتعرض لِلْفَصلِ، أوْ يفقد وظيفته تَحْتَ أي ظرف.
تَمَكَنَت الحُكومَة فِي سنوات عديدة، وبفضل دعم عربي سخي، ونتيجة لتوسع الحُكومَة فِي تَقْدِيم خدماتها من تعيين عدد كَبِير من المواطنين، وَلَكِن، ونتيجة لِزِيادةِ الدين العام، وارتفاع عدد السكان بِشَكْل هائل، وَتَغَيَّرَ الشَّكْل الاقتصادي للدول وَالحُكومات فِي العالم كُلهُ، أصْبَحت حقيقية أن الحُكومَة هِيَ المشغل الأكبر فِي الدَّوْلَة ضرب من الخيال، وعبء لا يُمْكِنُ لأيّ دَوْلَة نامية أن تتحمله.
فِي الأرْدُنّ وصلت رواتب الموظفين الحكوميين سنويًا سبعة مِلْيارات دِينَار، وَفِي تصريح لنائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق الدكتور جواد العناني، أشار إلى أن هَذَا من أحد أهم أسباب العجز فِي ميزانية الحُكومَة، حَيْثُ أشار فِي السياق نَفْسه إلى أن حكومتنا توظف 40% من القوى العاملة فِي الأرْدُنّ.
ما نوه إلَيْهِ الدكتور العناني يؤكد أن هَذَا خطر عَلَى الدَّوْلَة ككل، فكلما زاد العجز، واتسع الاقتراض، أصْبَحَ الأمر مزعجًا وَخَطرًا من نواح عديدة، وَنَحْنُ فِي مِنْطِقَة يدبر لَهَا الكَثِير من المشاريع، وَلا بُدَّ لَنَا من الاعتماد عَلَى مواردنا بِشَكْل أكبر كَيْ نَسْتَطِيع الصمود – كدولة – فِي وَجْه أي ضغوطات خارجية قَدْ تفرض عَلَيْهَا، وَالحَقِيقَة أن القطاع الخاص الأردني تَمَكَّنَ خِلال السَّنَوَات الـمَاضِيَة من التفوق، وَاسْتَطاعَ تعيين عدد كَبِير من النَّاس، ووفر فرص عمل جيدة، لَكِن طبيعة النَّاس فِي الأرْدُنّ أنها لا تثق إلا بالقطاع الحكومي، وَربَّمَا كانَ هَذَا صحيحًا إلى دَرَجَة مُعَيَّنَة، وَلَكِن أيضًا يَجِبُ الانتباه إلى أن القطاع الخاص يوفر فرصًا برواتب عالية للكفاءات، وهُوَ يبحث عمن ينتج لَهُ، ويحقق أرْبَاحًا، وَيُمْكِنُ لأيّ مواطن أن يقوي نَفْسه، ويتدرب لِلْحُصولِ عَلَى مَهَارَات كافية، ووقتها قَدْ يَكُون القطاع الخاص مَلاذًا آمنا لَهُ.
من حق كل شاب أردني أن يَحْصل عَلَى وظيفة حكومية من حَيْثُ المبدأ، وَلَكِن الظروف، وعحز الموازنة تقف عَائقًا أمام ذلِكَ، وأثبتت التَّجارِب أن ترشيق القطاع العام، والاعتماد أكثر عَلَى القطاع الخاص فِي التوظيف يقلل الفساد، ويجعل الحكومات أكثر قُدْرَة عَلَى ضبط إيقاع البلاد، وإحداث نمو اقْتصادي.
الوظيفة الحكومية حلم لغالبية الأردنيين، وَمَع ذلِكَ نأمل من القطاع الخاص أن يتوسع أكثر، وَيَتَمَكَن من تحقيق أحلام الأردنيين بوظائف أكثر دَخْلاً، واستقرارا، وشعبنا الطيب يستحق ذلِكَ.