صدى الشعب – كتبت عبير مامي
في حياة مليئة بهموم لا تُرى، وبعض الأحيان لا يفهمها الآخرون حيث تبقى أثقل من أن تُحكى، نمضي ونحن نرسم وجوهنا قبل أن نخرج بابتسامة لنخفي تعب وخوف مؤجل، خسارة صامتة أو حلم لم يجد مراده بعد، عندها فقط ينقذنا أصدقاء حقيقيون يعرفوا متى يصمتوا ومتى يتكلموا نيابة عنّا.
الصداقة ليست ترفًا اجتماعيًا، ولا علاقة اجتماعية نمارسها حين يسمح الوقت، بل هي حاجة إنسانية تشبه الحاجة إلى الأمان، كتف معنوي ومساحة آمنة يسمح فيها الإنسان لنفسه أن يكون متعباً مكسوراً أو محبطاً دون خوف، مساحة تمنح الحياة بعض الاحتمال، والشعور بأنك لست وحدك تمامًا حتى حين تكون كذلك.
مع الأصدقاء تفقد الأخطاء والعثرات حدّتها، الأصدقاء الحقيقيون هم من يشاركوك أسوأ قراراتك ثم يلومونك عليها لاحقًا. يتورطون معك في الحكاية، ثم يتفقون لاحقًا على إنكارها. يضحكون عليك حين تتعثر، ثم يمدوا ايديهم لالتقاطك بعد أن انتهاء الضحك، هم من يحفظون زلاتك أكثر من نجاحاتك، ويذكّروك بها في أكثر اللحظات جدية.
في حضرة الاصدقاء تتحول المواقف المحرجة إلى قصص تُروى والمصائب إلى نكات ليصبح الضحك وسيلة ذكية لمقاومة ثقل الحياة، معهم نمنح أنفسنا إذنًا غير مكتوب بأن نخطئ، وأن نكون بشراً وأن نستمر رغم كل شيء، وكأننا نقول للحياة: نعم، أتعبتِنا، لكننا ما زلنا نضحك ونخطأ دون تردد او خوف.
أجمل ما في الصداقة أنها لا تحتاج إلى مجهود، مكالمة قصيرة، نظرة عين سريعة في لحظة ازدحام تحمل ألف معنى، ضحكة مكبوتة، أو صمت مريح لا يحتاج إلى تفسير، مشاركة فرح لم يكتمل أو حزن لم ينتهي هي ما يجعل الحياة أكثر إنسانية، وأقل قسوة، وأكثر قابلية للعيش. الصداقة تمنحك الأذن بأن لا تكبر لوحدك، تتغيّر ملامحك قليلًا، وتثقل ذاكرتك بتجارب أكثر، لكن وجود الاصدقاء يجعل التقدّم في العمر أقلّ قسوة، فهنالك من لا يزال ينظر إليك بذات النظرة. وجود الأصدقاء ليس تفصيلًا عابرًا في الحياة بل نعمة كبيرة من نعم الحياة.
شكراً لأولئك الذين يجعلوا الطريق أهون…






