“القانون رسالة موجهة إلى الناس بعامة، وإلى السلطة التنفيذية [والقضاء] بخاصة، وإلى الأمن العام أو الشرطة بصورة أخص، لأن لهم الحق في اعتقال منتهكي القانون وتقديمهم إلى القضاء. ومن المفروض بهم أنهم يمثلون أعمدة النزاهة والشرف والمثابرة في تطبيق القانون”، ومختلف شرائح المجتمع أيضاً.
السياق العام في الدولة: السياسي الداخلي والاجتماعي هو الذي يجعل القانون إلى هو ما عليه، “أي يجعل له أثراً، أو لا يجعل: في السلوك العام والسلوك الفردي”، فإن لم ينفذ بعدالة، والناس يعرفون ذلك، فلن يكون له أثر، بصرف النظر عن ضجيجه والعقوبات المتضمنة به. ولعل المجرمين المحترفين أو الممتهنين للجريمة هم أكثر الناس معرفة بالقانون فيستغلون ثغراته وينفذون مرات منه، ويبدون للناس وكأنهم يهيمنون على نظام العدالة”.
بينت البحوث في الخارج “أن المجرم الممتد وبخاصة مرتكب الجرائم التعبيرية يكرر الجريمة بعد خروجه من السجن، قليلاً أو كثيراً، وكأن العقاب لا ينفع في تأديبه، ربما لأنه لا يعتبر العودة إلى السجن مشكلة او مأساة، فمتعة الجريمة وإثارتها والاندفاع نحوها والمجازفة والجرأة في ارتكابها، تتقدم عنده على عقوبة السجن مهما كانت كبيرة. إنه كالمقامر الخاسر الذي لا يتوقف عن مواصلة اللعب، بأمل استرجاع الخسارة والكسب. كما يفضل بعضهم السجن على حياتهم التعيسة، فيرتكبون الجريمة ليدخلوه ويبقوا فيه، ما يستدعي مراقبة هؤلاء بعد قضائهم العقوبة.
“ويقسم الباحثون الجريمة إلى قسمين أو نوعين وهما: تعبيرية (Expressive) كالاغتصاب، وتعاطي المخدرات، وتُرتكب من أجل الجريمة نفسها، وليس إلى غاية أبعد منها، ومرتكبوها خطرون، لأنهم قد يكررونها، بعد العقوبة، وتجب مراقبتهم بعد خروجهم من السجن، وان لا يشملهم العفو العام. وجرائم أداتية؛ (Instrumental) ترتكب كوسيلة إلى غاية مثل جريمة التهرب الضريبي، أو السرقة، أو الاختلاس، التي قلما يكررها مرتكبوها بعد العقاب.
لكن جريمة الزرقاء لم تخطر – كما يبدو- على بال الباحثين. إنها نوع ثالث من الجريمة. إنها جريمة مزدوجة تجمع بين النوعين: المتعة والإثارة من جهة، والثأر أو الانتقام من جهة أخرى، ومرتكبوها هم الأخطر، ما يوجب مراقبتهم على مدار الساعة. كما تبين للباحثين أن العقوبة السريعة للمجرم أقوى ردعاً من العقوبة البطيئة، وإن كان السجن المؤبد أو تأجيل تنفيذ عقوبة الإعدام إلى ما لا نهاية أشد وطأة وعذابا ًعلى المجرم المحكوم به من الإعدام، جراء تعفنه في السجن بانتظاره، ما جعل المحكومين به في السجون الأميركية يتوسلون تنفيذ الحكم فيهم ليخلصوا من العذاب.
في المجتمعات الصغيرة أو في مجتمعات الأمس، وكما كان عليها الأمر في القرية والبادية حيث يعرف الناس بعضهم بعضاً كان للعقوبة أثرها الواضح، سواء تمت بالقانون، ام بانتهاك الأعراف والتقاليد لما تسببه من خجل وعار أو فضيحة أو مقاطعة لصاحبها. كانت العقوبة تردع، فلا يكرر المجرم الجريمة.
أما اليوم وفي عصر المدن الكبيرة حيث الجميع غرباء، فلا تردع العقوبة المجرم عن تكرار ارتكاب الجريمة، لأنه غير معروف بالصوت والصورة كي يحذره الناس، وإلا فرّ إلى مدينة اخرى وضاع في الزحام فيها لمواصلة الجريمة. المجتمع الياباني يشذ عن القاعدة لأنه بمثابة عائلة كبيرة، وبدلاً من الاختفاء أو الهرب من الخجل والعار إلى مدينة أخرى فإن الياباني المتهم أو المدان قد يلجأ إلى الانتحار”.
للتعويض عن الشعور المفقود بالعار والخجل في المدينة اليوم يجب أن يقوم الإعلام باستحضارهما أولاً بأول وبالصوت والصورة، ولجلسات المحاكمة. ومن ثم فإن الشفافية الرسمية واجبة، وإلا شك الناس بقرارات المحاكم واتهموها بالتفاوض مع المجرم، بدلاً من محاكمته وإدانته، وأدانوا القضاء والأمن العام بدلاً منه.
وأخيراً، أدعوا الأمن العام في محيط كل بؤرة أمنية استدعاء كل صاحب دكان ومحل تجاري لاستنطاقه سراً لمعرفة اسماء البلطجية والزعران وفارضي الخاوات عليه، ووضع أسمائهم منفصلة عن إجاباتهم، واعتقال هؤلاء ومحاكمتهم ومعاقبتهم حسب القانون، فعندئذ تستريح البلاد وينام أهلها آمنين. ولا بد كذلك من وجود قسم مخابرات شرطياً في الأمن العام لحمايتها من مشاركة أحد منها في الجريمة أو من التواطؤ مع المجرمين، إضافة إلى إدارة بحوث علمية في الجريمة.
مستمد بتصرف – كما هو مشار إليه بين الفواصل- من كتاب الأثر: كيف يؤثر القانون في السلوك: تأليف لويس فريدمان (2016)، وترجمة مصطفى ناصر، عالم المعرفة، (2010).