صدى الشعب – كتب المحامي محمد عيد الزعبي
في زمنٍ باتت فيه المواقف تُقاس بعدد المشاهدات لا بعدد الضحايا، وتُباع في مزادات الكاميرات لا في ميزان القيم، يُصرّ الأردن، رغم الجراح والإمكانيات المحدودة، على أن يكون حيث ينبغي للضمير أن يكون.
منذ بدء العدوان على غزة، لم يتأخر الأردن يومًا في أداء واجبه الإنساني والأخلاقي تجاه أهلنا المحاصرين في القطاع. فبينما يتلهى كثيرون بخطبهم الرنانة وبياناتهم الخشبية، كانت طائرات سلاح الجو الأردني تعبر السماء، لا لتهديد أحد، بل لإسعاف شعب أنهكته آلة الحرب، ولإلقاء المساعدات على أرض تحولت إلى رماد.
جسرٌ جوي من العزّة لا من الاستعراض.
طائرات أردنية تُحلق فوق غزة، تُسقط المساعدات الطبية والغذائية في كافة أنحاء القطاع، دون تمييز بين شماله وجنوبه، ودون حسابات الربح والخسارة. هذا الجهد، رغم محدودية الإمكانيات، لا يمكن أن يُفهم إلا في سياق واحد: أن الكرامة لا تحتاج إلى خزائن، بل إلى قرار حر.
ومع ذلك، لا تخلو الساحة من تلك الأقلام المسمومة، التي تُهوّن من كل جميل، وتشكك في كل صادق. أقلامٌ لم تُصب يوماً بقنبلة، ولم تجُع، ولم تُدفن أبناءها تحت الركام، لكنها تجرؤ على التقليل من شأن موقف الأردن، لا لشيء، إلا لأن النوايا أعوج من السطور التي يكتبونها.
نعم، نحن لا نملك النفط، ولا نُصدر سلاحاً، ولا نُحرك أساطيل، ولكننا نملك شيئاً لم يعد كثيرون يملكونه: شرف الموقف، وصدق التوجه، واستمرارية الدعم رغم كل الظروف.
من يريد أن يقيس مواقف الأردن بعدد طائراته، فليبحث عن ميزان آخر. ومن يريد أن يزن إنسانيته بعدد اللايكات، فليراجع فطرته. لأن التاريخ لا يكتب بمداد الخبثاء، بل بصوت الميدان، وعرق من بذل، ودم من دفع.
في غزّة، يعرفون جيدًا من يقف معهم ومن يساوم عليهم.
وفي الأردن، لا ننتظر اعترافًا من أحد، لأننا نؤمن أن من يغيث أخاه في وقت الضيق، لا يحتاج إلى إذن من أحد، ولا إلى شهادة من أحد.






