جبرلـ ( صدى الشعب ): الشباب ذخيرة الوطن والإعلام الرقمي أداة فعالة لتعزيز المشاركة السياسية

الشباب العمود الفقري والطاقة الكامنة لبناء المستقبل

صدى الشعب _ أسيـل جمـال الطـراونـة

قالت الدكتورة أريج جبر، أستاذة العلوم السياسية، إن الحديث عن فئة الشباب لا يعنم تناول شريحة عمرية عابرة، بل هو حديث عز العمود الفقري لهذا الوطن، عن الطاقة الكامت والذخيرة الحية لبناء المستقبل، فالشباب ليسوا فقط الفئة الأكثر عددًا، بل يمثلون أيضًا القوة الدافعة للتغيير وصُناع التحولات القادمة في مسار الدولة والمجتمع.
واكدت جبر خلال حديثها ل”صدى الشعب”، أن العلاقة بين الشباب والسياسة، والإعلام الرقمي لم تعد علاقة هامشية أو أحادية الاتجاه، بل أصبحت علاقة ثلاثية متشابكة وحيوية، يتفاعل فيها كل عنصر مع الآخر تأثيرًا وتأثرًا، ففي الوقت الذي توظف فيه السياسة الإعلام الرقمي كأداة للوصول إلى عقول الشباب والتأثير في إرادتهم وتوجهاتهم، يتحول الإعلام ذاته من ناقل جامد إلى وسيط ديناميكي يتفاعل مع لغة العصر واحتياجات المتلقي الشاب، بينما يصبح الشباب أنفسهم فاعلين ومنتجين للخطاب السياسي، لا مجرد مستهلكين له.
وأضافت جبر، أنه في ظل التحولات التكنولوجية المتسارعة، يشهد الواقع الإعلامي تحولا جذريًا في أنماط التلقي السياسي لدى الشباب، حيث باتت منصات التواصل الاجتماعي هي المصدر الأبرز للمعلومة السياسية، ويعود ذلك إلى عدة عوامل أبرزها:
سهولة الوصول، والسرعة في التحديث، وانخفاض الرقابة المباشرة، ما يمنح الشباب حرية في التعبير وتلقّي الآراء المتنوعة.
وأشارت إلى أن طبيعة اللغة المستخدمة للعب دورًا كبيرًا في هذا التحول: إذ تستخدم هذه المنصات لغة شبابية محكية أو رمزية، مدعومة بأدوات بصرية، مثل الفيديوهات لقصيرة والميمز، ما يجعل الخطاب السياسي أكثر قريًا وقبولا لدى جمهورٍ لم يكن يتفاعل مع هذا النوع من الخطاب مسبقا.

وبينت جبر، بأن هذه المنصات لا تكتفي بتقديم المعلومة، بل تُعيد صياغة تجربة التلقي بالكامل، لتجعل الشباب يشعرون بأنهم جزء من الحدث في لحظته الراهنة، لا متلقين متأخرين كما هو الحال في الإعلام التقليدي، وهنا تبرز أهمية الإعلام الرقمي كوسيط معاصر يتماشى مع طبيعة الجيل
الرقمي.
وأوضحت، بأن الإعلام الرقمي أصبح أداة فعالة لتعزيز ثقافة المشاركة السياسية لدى الشباب، ليس فقط من خلال المعلومات، بل عبر تقديم محتوى تثقيفي مبسط يُخاطبهم بلغة العصر، فمن خلال أدوات مثل البودكاست، الفيديوهات القصيرة، والإنفوغراف، باتت المفاهيم السياسية أكثر سهولة في الفهم وأكثر جاذبية. ومن جهة أخرى، تتيح الوسوم (الهاشتاغات) والفضاءات الرقمية مساحات واسعة للتعبير عن الرأي و النقاش حول قضايا الساعة، مما يساهم في فع الوعي السياسي وتعزيز الشعوربالمسؤولية المجتمعية، كما باتت بعض المنصات تقدم نماذج محاكاة للعمل السياسي، مثل البرلمانات الافتراضية، والتصويت الرقمي، ما يمنح الشباب تجربة عملية في فهم مبادئ العمل الديمقراطي وآليات اتخاذ القرار.
وترى جبر، أن تسليط الضوء على نماذج شبابية ناجحة من خلال هذه المنصات الرقمية يسهم في تحفيز غيرهم على الانخراط السياسي، وتحويل المشاركة من فعل موسمي إلى سلوك واعِ يومي يعكس نضجًا مدنيًا متناميًا.
ورغم الإيجابيات العديدة، تحذر جبر من أن الإعلام الرقمي لا يخلو من التحديات، لا سيما في ظل تفشي الشائعات والمعلومات المضللة، خاصة
خلال الأزمات والحملات الانتخابية، وتكمن الخطورة، كما توضح، في أن هذه المعلومات تستهدف بالدرجة الأولى فئة الشباب،
نظرًا لتفاعلهم الكبير مع هذه المنصات.
وبحسب جبر، فإن هناك منصات إعلامية معادية تستخدم أدوات ناطقة بالعربية، مثل الإعلام العبري، بهدف بث خطاب التشكيك والانقسام، ما يهدد تماسك النسيج المجتمعي العربي، كما تسهم بعض المضامين الرقمية في تسطيح الوعي السياسي من خلال تغليب التريند والإثارة السطحية على حساب القضايا الجوهرية.
ولمواجهة هذه المخاطر، تؤكد جبر أهمية تعزيز التربية الإعلامية الرقمية، وهي خطوة بدأت الحكومة تدرك ضرورتها، ما دفع وزارتي التربية والتعليم العالي لاعتمادها ضمن المناهج والمساقات الجامعية ، والهدف من ذلك هو تمكين الشباب من التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، وتحفيزهم على إنتاج محتوى نقدي موثوق بلغة قريبة منهم .
كما تدعو جبر إلى دعم المنصات المستقلة المعنية بالتحقق من الأخبار، وخلق فضاءات حوارية آمنة، قادرة على بناء وعي نقدي ومناعة فكرية قوية لدى الجيل الجديد.
وتنسجم هذه القراءة التحليلية، بحسب جبر، مع الرؤية الملكية السامية التي تؤكد دائمًا على أهمية تمكين الشباب، باعتبارهم أساس نهضة الدولة ومستقبلها، وهو ما عبر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني بقوله:
ولأن حملكم أيها الشباب كبير ومسؤولياتكم عظيمة، بقدر ما هي إرادتكم وطموحاتكم، فأنتم مطالبون بأن تكونوا على قدر هذه المسؤولية، وجديرين بهذا الحمل، لأن مستقبل الأردن أمانة نودعكم إياها، ولأن غد الأردن هو اليوم، وشباب الأردن هم غد الوطن وآفاقه الرحبة” وترى الدكتورة أريج جبر أن تمكين الشباب سياسيًا وإعلاميًا لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية تفرضها تحولات العصر، كما أن الإعلام الرقمي، بكل ما فيه من إمكانيات ومخاطر، يجب أن يُدار برؤية استراتيجية، توفر للشباب الأدوات النقدية والمعرفية اللازمة، ليكونوا فاعلين حقيقيين في صناعة المستقبل، لا مجرد متلقين لما يُراد لهم أن يستهلكوه.