الإصلاح السياسي انحناءة أمام العاصفة

 

الكلام عن الإصلاح السياسي في الأردن، يجب أن لا يخضع لعوامل غير مبدأ الإصلاح السياسي، لكنه عندنا يخضع لعوامل كثيرة، غير جوهر مبدأ الإصلاح.
إن الذين يقفون ضد الإصلاح، بمعناه الجوهري ذاتهم ، يعودون ويتحدثون عن أهمية الإصلاح، في توقيت آخر، وفقا للمتغيرات، فالقصة مجرد انحناءة أمام عاصفة، أو تغير حسب الظرف، وهكذا يكون الإصلاح مجرد ورقة يتم استعمالها كل فترة.
لا تعرف حتى الآن لماذا لا يكون هناك إصلاح حقيقي، وما هو الضرر من الإصلاح، إذ أن الأصوات الحادة والمزعجة في الشارع، ستجد منصات طبيعية لها، بدلا من الانفلات على الأرصفة، وبدلا من أن تحاور الدولة مجموعات تمثل قطاعات محددة، بشكل واضح وشرعي، مثل النقابيين، والنواب، والحزبيين، وغيرهم، نكون أمام مجموعات بلا رؤوس، في الشارع، غاضبة، وتعبر عن قلقها، بسبب قضايا كثيرة.
الإصلاح السياسي الحقيقي هنا، يجب ألا يخضع للمزاجية والتقلبات، تارة أنت ضد نقابة المعلمين، وتارة تريد استرضاء النقابة، وحل عقدتها، تارة أنت مع تنمية العمل الحزبي، وتارة تريد أحزابا فارغة من كل مضمون، وشكلية على مائدة الإصلاح، تارة تسترخي أعصاب الدولة، وترتاح إلى درجة تأجيل الانتخابات النقابية، بذريعة كورونا، فيما الظلال للقصة ذاتها يؤشر إلى أنه لا أحد يريد نقابات فاعلة، ولا يريد إصلاحها حتى على المستوى الإداري والمالي، تارة يأتون بقانون انتخابي يقدمونه باعتباره فتحاً ثورياً، لكنهم يهندسون خريطة المترشحين، فتكون النتيجة مجلسا نيابيا ضعيفا، لا يؤدي حتى دوره الوظيفي.
علينا أن نتحدث بصراحة اليوم، فإما نحن دولة تريد إصلاحا سياسيا عميقا وجوهريا، وإما لا نريد، لأن التوقيت لم يعد يقبل اللعب على الحبلين، والإصلاح السياسي يجب أن يكون بحد ذاته هدفا، قبل أن يكون حلا لمشاكل في الداخل، أو رسائل للخارج الذي يرقبنا كل لحظة.
الدولة القوية لا تخشى الإصلاح السياسي، لأن الإصلاح يحقق غايات مهمة، أولها ممارسة الدور الرقابي على كل شيء، واستعادة ثقة الناس، وتمثيلهم بشكل عادل، وبالتالي تبني توجهاتهم على صعيد كل المؤسسات، بشكل صحيح، بما يرتبط أيضا بحرية الإعلام، من جهة، ودور النقابات، والنواب، والأحزاب، ولا يمكن للإصلاح السياسي، أن يكون سببا في هدم بنية الدولة، أو مس النظام، أو إثارة المشاكل، والذين يتبنون هذا الرأي الأخير، يريدون ذريعة حتى نبقى كما نحن، وهم فعليا يحمون مصالحهم، ومساحاتهم.
هناك مماطلة في عملية الإصلاح، من أدلتها إضاعة الوقت في حوارات لسنوات حول قانون الانتخابات الأفضل، وهي سنوات أضعنا مثلها سابقا، وكأن هناك من يعتقد أن الإصلاح السياسي سيؤدي إلى خلخلة البنية الداخلية، أو إعادة إنتاج معادلات القوى داخل الأردن، ولهذا يكون الهدف المخفي دائما، خفض السقوف، وتعزيز آليات التحكم بنتائج الإصلاح السياسي، خصوصا، على صعيد التمثيل في البرلمان أو النقابات، أمام أعداء وهميين يتم إنتاجهم والاستثمار فيهم، لإدامة القلق من كلفة الإصلاح، وكأن عدم الإصلاح أقل كلفة هنا.
حين يتم استدعاء شعار الإصلاح السياسي، بوصفة مجرد دواء، في تواقيت محددة، تدرك كم أن هذه اللعبة خطيرة، وتعبر عن قراءة التوقيت فقط، وليس التحول في النوايا، وفي زمن صعب مثل هذا، لا بد أن لا يتأخر الإصلاح السياسي، فهو المدخل إلى الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وضمانتهما الوحيدة، لأن الشراكة في القرار، توزع الكلفة بشكل عادل، مثلما أن الشراكة في القرار، لا تجعل السلطات تتغول على بعضها بعضا، مثلما نرى في تمادي الحكومات على المجالس النيابية، وخضوع النواب أيضا لهذه الحكومات على مدى سنوات.
لقد آن الأوان أن نقف مع أنفسنا، ونسأل أسئلتنا الكبرى، ونشخص العلل، ونضع الحلول، بروحية الذي يريد لهذه البلاد أن تبقى آمنة مستقرة، وأن نتوقف عن لعبة الانحناء أمام العاصفة، سواء تلك التي تعصف داخل الأردن، أو دوليا، فلا نجد أمامها إلا إعادة فتح ملف الإصلاح السياسي، بشكل تكتيكي، مؤقت، يهدف إلى عبور المرحلة فقط، لا الإصلاح الفعلي.

أخبار أخرى