«إنّ تطوير الإدارة الحكومية مسيرة مستمرة تخضع لمراجعة وتقييم دائمين. وعليه، يجب تحديد مواطن الخلل والقصور والاعتراف بها للعمل على معالجتها، وإرساء وتفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة كمبدأ أساسي في عمل وأداء مؤسساتنا وفي جميع طبقات ومراحل الإدارة الحكومية، بحيث يكافأ الموظف على إنجازه ويساءل ويحاسب على تقصيره وإهماله…كما يجب على مؤسساتنا وضع رؤية واضحة، وخريطة طريق، وأهداف محددة تمكن هذه المؤسسات من تحقيق أهدافها، وقياس نسبة الإنجاز والأثر، للوصول إلى أرقى معايير النزاهة والشفافية وأعلى مستويات الخدمة المقدمة للمواطنين».
لا يمكن أن نتحدث عن الإصلاح الإداري دون التطرق للورقة النقاشية السادسة للملك عبدالله الثاني ابن الحسين والتي جاءت تحت عنوان «سيادة القانون أساس الدولة المدنية»، التي شيدت معالم الطريق نحو إصلاح المنظومة الإدارية. وانطلاقا من هذه الوثيقة المهمة فإن الحديث عن الإصلاح الإداري لا بد وأن يبدأ من ثوابت تجعل من هذه العملية تسير وفق مسارات تضمن الوصول إلى نهضة شاملة في المنظومة الإدارية:
أولا: الإصلاح الإداري غاية لا يمكن بلوغها دون المرور بالاطار التشريعي الناظم لعمل المؤسسات والإدارات المختلفة، لذا فإن السعي نحو إصلاح إداري يتطلب مراجعة للتشريعات ذات العلاقة خاصة ما يتعلق بأسس التعيين وذلك في اطار مصفوفات واحدة تضمن تنقيتها من الشوائب العالقة والثغرات القانونية والنصوص ذات الطابع العام التي تشكل أداة لإساءة استعمال السلطة والالتفاف على القانون تحقيقا لمآرب خاصة.
ثانيًا: تفعيل أدوات المحاسبة والمساءلة تحقيقا للردع العام والخاص؛ فغياب الرقابة التي تؤدي إلى محاسبة المقصرين وعابري حدود القانون والأنظمة والتعليمات أدت إلى تراكم الأخطاء وتجذرها والتشجيع على ارتكابها لإيمان لديهم بضعف أدوات المساءلة بشقيها التأديبي والجزائي؛ فالأخطاء الجسيمة هي نتاج طبيعي لتراكم سلسلة من الأخطاء البسيطة التي توسعت وامتدت فأمست سلوكا مقبولا يتم التغاضي عنه.
ثالثا: تعزيز قيم المؤسسية، هذه القيم التي يتخذ غيابها أشكالا مختلفة ابتداء من تفرد بعض الشخوص بالقرار في اطار السلطة الممنوحة لهم، عدم الالتزام بمنظومة القيم والمبادئ الوظيفية، الإقصاء الذي يعد شكلا من أشكال التمييز، لا بل أحد أشكال الفساد الإداري، تفشي ظاهرة التحالفات والزبائنية داخل المؤسسة، وسعي الأفراد لحماية أنفسهم أو الحصول على امتيازات أيضا من خلالها، وغياب ثقافة وقيم المؤسسية ابتداء لدى الأفراد، فلا يقيمون لها وزنا، ولا يقفون عند حدودهم أمامها. إن أي عملية إصلاح إداري لا يمكن أن تنهض بدون معالجة هذه الاختلالات البنيوية والتي مردها الأساسي ضعف البنى المؤسسية واعتمادها على الأشخاص. وهو ما أشرت إليه في مقال سابق نشر في صحيفة الغد بعنوان”الموظف الفرد عندما يتجاوز قيم المؤسسية”.
إنّ الضمانة الأساسية لتنقية الجهاز الإداري مما علق به من شوائب كما أشار الملك عبدالله الثاني في لقائه الأخير مع وكالة الأنباء الأردنية، هو مبدأ سيادة القانون، هذا المبدأ الذي وصفته الورقة النقاشية بأنّه «أساس الإدارة الحصيفة التي تعتمد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أساسا في نهجها، فلا يمكننا تحقيق التنمية المستدامة وتمكين شبابنا المبدع وتحقيق خططنا التنموية إن لم نضمن تطوير إدارة الدولة وتعزيز مبدأ سيادة القانون، وذلك بترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والشفافية».