الأمر لم يكن مفاجئا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل السكر والأرز والزيوت، فهي مرتفعة منذ أشهر في بلاد المنشأ، وقد حذر الملك مرارا وتكرارا من ان العالم سيشهد نقصا في الإنتاج الزراعي وارتفاعا بالأسعار نتيجة وباء كورونا، فماذا أعدت الحكومة والقطاع الخاص لمواجهة هذا التحدي الخطير الذي يهدد الأمن المعيشي للمواطنين؟.
منذ منتصف العام الماضي تعرضت حقول الأرز والسكر والصويا والذرة في بلاد المنشأ الرئيسية مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا واستراليا وتايلاند والصين والارجنتين والبرازيل ومصر لضربات وبائية موجعة، أدت لتراجع الإنتاج في هذه المحاصيل الأساسية، مما دفع ببعض الدول إلى وقف تصديرها لتحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها من تلك السلع.
في هذه الآونة كانت الحكومة منشغلة بتداعيات كورونا المباشرة، وتناست التعاقد مع كبار الموردين لتأمين البلد باحتياجاتها اللازمة من تلك المواد الأساسية، وبقي اتجاه أسعارها بارتفاع تدريجي، إلى ان وصلت الزيادة في الأسواق العالميّة بنسبة 70 % ، 30 % و25 % لكل من الزيوت والسكر والأرز على التوالي.
صحيح ان الحكومة لا تملك السيطرة على اتجاهات أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية، إضافة لكون الأردن دولة غير منتجة لهذه السلع، لكن المتتبع للأسواق السلعية في بورصاتها الدولية التي توضح مدى التغير السعري كل يوم على حدة، يستدل على ان الارتفاعات كانت متدرجة ولم تكن بين ليلة وضحاها، وكان الأجدر من الحكومة والجهات المعنية تأمين البلاد باحتياجاتها المختلفة، وأن تتعاقد مسبقا لحجز الكميات التي تحتاجها من تلك السلع وتوردها لمستودعاتها ومخازنها بأسعار معقولة، وان تلجأ للمخزون من خلال المؤسستين المدنية والعسكرية وضخهما في الأسواق المحلية بأسعار معتدلة تغطي كلفها وهامش ربح معقول، بدلا من ترك الأمور على غاربها دون سيطرة وتحكم في المشهد، فأسلوب الفزعة لا يفيد في هذه الأمور أبدا.
للأسف لم تمتلك الحكومة خطة طوارئ واضحة لتوفير السلع الأساسية والحد من أي تطورات سلبية في أسعارها، واليوم هي مضطرة للتجاوب مع متطلبات الأسواق العالمية والتعاقد بأسعار عالية ستدفع جيوب المواطنين ثمن الاستهتار والتردي الإداري في التحوط لمثل هذا الموقف ، إلا إذا قررت توفير دعم يغطي الفروقات السعرية في الغلاء وهذا أمر قد يكون صعبا على الخزينة في الوقت الراهن.
الحكومة اكتفت بتبرير أسباب ارتفاع أسعار السلع محليا بسبب ارتفاعها عالميا، وكأن الأمر كان مفاجئا للمسؤولين الذين كان المفترض بهم ان يكونوا قد اعدوا خطة متكاملة بالتعاون مع كبار المستوردين لتأمين البلد باحتياجاتها اللازمة من تلك السلع بأسعار معتدلة في وقت مبكر.
هذا بالنسبة للحكومة، أما القطاع الخاص فالأمر محزن ومؤسف في آن واحد وهو يسمع تصريحات رئيس غرفة تجارة عمان وهو ذاته رئيس نقابة تجار المواد الغذائية وهو يبرر ارتفاع الأسعار بشكل كبير منذ شهر أيلول، وانه متفاجئ من ردة فعل الشارع على ارتفاع أسعار المواد الأساسية بعد تسليط الإعلام عليها في وسائله المختلفة، وكأنه يشتكي الإعلام لفضحه الموضوع الذي كان تحت غطاء التستر عليه لأسباب مختلفة، وجعله في واجهة الحدث، وكأن الإعلام أوقف أرباحهم ومنعهم من الاستمرار بذات الأسلوب دون أي ضجة أو شغب عليه.
دور غرفة التجارة ليس التستر على ارتفاع الأسعار وتجنب الحديث عن هذه الظاهرة التي تستنزف جيوب المواطنين وتؤثر على أمنهم المعيشي مباشرة، وإنما مشاركة الحكومة في دق ناقوس الخطر، ووضعها في إطار الصورة الحقيقية لتطورات الاتجاهات السعرية للسلع، ومشاركة الجهات المختلفة بوضع خطط طوارئ لمثل هذه الحالات الصعبة، لكن للأسف البعض في الغرف التجارية مشغول بالضغط على الحكومة لتمرير ” قمر الدين” من سورية بدلا من المشاركة في تأمين احتياجات البلاد من السلع الأساسية والحد من ارتفاع أسعارها الجنونية.
الترهل الإداري الذي أصاب جهاز القطاع العام انتقل تدريجيا لبعض مؤسسات القطاع الخاص، وهو ما يستدعي الوقوف لما يحدث الآن، فغالبية مشاكلنا الاقتصادية باتت بسبب هذا الضعف، والأمر لا يتعلق بمؤامرة خارجية على الأردن بقدر ما هو غباء وضعف في إدارة الملفات تحديدا الاقتصادية، فالتحرك لا يكون إلا وقت وقوع المشكلة لا قبلها مع كُل آسف.