كتب. الدكتور / محمود الرجبي
لَدَيْنا فِي الأرْدُنّ شغف كَبِير بدراسة الطب والهندسة، وَلَوْ نظرنا إلى عدد الطَلَبَة الدارسين للطب فِي الدَّاخِل والخارج نجد رقمًا مهولا يصل إلى أربعين ألف طالب فِي الدَّاخِل والخارج، أمَّا الهندسة فَلا يَخْتَلِف الأمر، فَهُنَاكَ أيضًا العدد نَفْسه من الدارسين إضافة إلى أن هُنَاكَ مُهَنْدِسًا بَيْنَ كل أربعين مواطنًا وَهَذِهِ ربَّمَا كانَت أعلى نسبة فِي العالم.
من حق كل إنسان أن يدرس ما يُرِيد، ما دام لَدَيْهِ شغف بِذَلِكَ، والهندسة من الـمَوَادّ الأساسية الَّتِي بِسَبَبِها تطورت الْحَياة فِي مُخْتَلِف مجالاتها، وَلَكِن؟ هَلْ فِعلًا لَدَى كل من يدرس هَذَا التخصص الشغف لدراستها، أم أن الأمر متعلق باللقب؟
لَنْ نَدْخُل فِي قلوب وعقول النَّاس لنحدد ذلِكَ، وَلَكِن لَدَيْنا لِلأسَفِ مؤشرات حَول أن الهدف الأول هُوَ اللقب، فنَحْنُ مبدئيًا نفرح لوجود أي متخرج فِي الـمَجَالات العِلْميِّة، وَلَكِنَّنَا نُريد مهندسين يساهمون فِي المجهود العلمي للبلد، ويساعدوننا عَلَى الدُّخُولِ فِي عالم الدُّوَل المتقدمة هندسيًا، وَلَكِن مَع احترامي لَمْ يَحْصل ذلِكَ للآن بدرجة كافية.
يَبْدُو أننا يَجِبُ أن ندعو إلى ترشيد التوجه إلى دراسة الهندسة، وتقليل عدد الـمُهَنْدِسِينَ، خوفًا عَلَى الجهود الضائعة عِنْدَ البَعْض حِيِنَمَا لا يَجِدونَ وظيفة يَعْمَلُوُنَ فِيهِا، فنقابة الـمُهَنْدِسِينَ تشير دائمًا إلى وُجُود فجوة كبيرة بين متطلبات سوق العَمَل، وأعداد الخريجين المتزايدة.
ولننظر إلى إحصائيات نقابة الـمُهَنْدِسِينَ للعام 2022 تَقُول هَذِهِ الإحصائية “عدد المهندسين المسجلين في النقابة 187 ألفا و473 مهندسا ومهندسة، في حين بلغ عدد الطلبة على مقاعد الدراسة 42 ألفا و925 طالبا وطالبة “.
وتشير التقارير إلى أن غالبية تخصصات الهندسة تقع ما بَيْنَ حَالَة الإشباع التام والركود، لا يُمْكِنُ لأيّ بَلَد فِي العالم أن تتحمل وُجُود مُهَنْدِس بَيْنَ كل أربعين مواطن لديها، نعرف أن عَددًا من هَؤلاء يَذْهَبون لِلْعملِ فِي الخارج، وَمَع هَذَا لا بُدَّ من تنويع التخصصات الَّتِي يدرسها الطالب، وتشجيع بَعْضَهُم عَلَى الانخراط فِي العَمَل المهني، وتوجيه نسبة مِنْهُم لِلْدُخُولِ فِي عالم البَحْث العلمي بعْد توفير البيئة اللازمة لِحُصولِ ذلِكَ.
التوجه نَحْوَ دراسة الهندسة مهما كانَ سببه فِيهِ إيجابيات كَثِيرة، وَلَكِن سوق العَمَل لا يَتَحَمل، وَلا بُدَّ من تغيير النظرة إلى الدِّراسَة الجامعية لنركز عَلَى ما هُو مَطْلُوب فِي سوق العَمَل، وَفِي الوَقْت نَفْسه نركز عَلَى مخرجات التَّعْلِيم لتساهم فِي المسيرة التنموية وَالعِلْميِّة بِشَكْل أفضل.