لا يمكن للحكومة ان تعتبر اغلاق عشرات القطاعات الاقتصادية في الأردن، امرا طبيعيا، لأن الافراط في التحوط الصحي، سوف يخرجنا من وباء كورونا، الى ازمة اقتصادية مؤذية جدا.
عشرات القطاعات مغلقة كليا، او متضررة جزئيا، بسبب الوباء، وقرارات الاغلاق، هذا في الوقت الذي يشتد ثقل الالتزامات على أصحاب هذه المشاريع، من ضرائب، وايجارات، بما يعنيه ذلك من خسارة اعداد ليست قليلة لوظائفهم، بسبب وضع هذه القطاعات، من المقاهي والمطاعم، مرورا بالقطاع السياحي، وصولا الى قاعات الافراح، وغير ذلك.
واللافت للانتباه هنا ان خزينة الدولة تعيش أساسا على الضرائب التي تحصل عليها من هذه القطاعات، وهذا يعني ان الخزينة متضررة أيضا من الاغلاقات، فوق الكارثة التي يمثلها قانون المالكين والمستأجرين، وهي كارثة واقعة قبيل وباء كورونا، لكنها اشتدت مع الوباء، وسط مراهنات على الحكومة الحالية، اذا ما كان لديها الجرأة على تعديل القانون الجائر، عكس حكومات سابقة، لم تأبه بكل نداءات الاستغاثة من القطاع الخاص، بشأن القانون.
اذا كان رئيس الوزراء يتحدث عن برنامج تفصيلي سوف يعلن عنه قريبا، فإن من المهم ان يخصص جانبا كبيرا منه، من اجل انعاش القطاع الخاص، خصوصا، بعد هذه الازمات، فهذا القطاع يعاني بشدة، من أزمات كثيرة، من بينها كلفة الطاقة والإنتاج، والمعاناة من مشاكل التسويق، والكساد، وضعف القدرة الشرائية، وكثرة الضرائب والرسوم.
لا يصح هنا ان نواصل الحديث عن القطاع الخاص الذي يمول القطاع العام، بطرق مختلفة، وفي الوقت نفسه يتم ارهاقه بكل هذه السياسات الموروثة من حكومة الى حكومة.
الحكومة ستواجه اعتراضات على بعض بنود الموازنة وهذا حال شهدناه في حكومات سابقة، والاختلاف على الأرقام وابواب الانفاق، سيخضع لمراجعة وقد يتعرض الى تغيرات طفيفة فقط، فيما حجم الدين العام على الأردن يبقى مربكا للغاية، حين يصل الى حوالي 47.3 مليار دولار بما فيها ديون مؤسسة الضمان الاجتماعي، ليصل الى حدود 110 % من الناتج المحلي في الأردن، وهو رقم ليس سهلا، حتى لو تقرر تغيير الأرقام، واستثناء مديونية الضمان، من اجل خفض الدين الى 38 مليار دولار.
امام كل هذه التعقيدات، وهي ليست نتاج الحكومة الحالية، لا بد ان تقف الحكومة في محطتين أساسيتين، قريبا، واحدة سياسية، والثانية اقتصادية، اما السياسية، فهي اجراء تعديل وزاري، بعد الموازنة وخلال شهر شباط، او مطلع آذار، من اجل شد أوتار الفريق الحكومي، والتخلص من أي حمولة ثقيلة، وتحسين مستوى الأداء، بعد مرور هذه الأشهر، وهذا ترتيب سياسي اضطراري، حتى لا يبقى الفريق الحكومي مترهلا، او يعاني من الضعف بسبب بعض من فيه، والمحطة الثانية، الخروج ببرنامج اقتصادي من اجل انقاذ القطاع الخاص، وفي حده الأدنى فتح كل القطاع الخاص، والخروج من حالة الاغلاقات، ضمن تدابير صحية مشددة جدا، لان مواصلة الاغلاق، يعني تدميرا جزئيا لهذا القطاع، وهو تدمير يرتد حتى على الخزينة وتحصيلاتها المالية من ضرائب ورسوم، وهذا يعني ان فتح القطاع الخاص، مصلحة حكومية، مثلما هو مصلحة لأصحاب المنشآت في هذا القطاع.
اذا لم تقف الحكومة في هاتين المحطتين، بطريقة صحيحة وسريعة ومناسبة، فهي ستواجه تعثراً سياسيا واقتصاديا، والمؤكد هنا، وفقا لمن حول الرئيس وحواليه، ان ذات الرئيس يدرك حاجته الماسة الى التعديل، ولربما بات لديه تصور اولي حول من سيبقى ومن سيخرج من فريقه، مثلما ان الرئيس يعرف ان وضع القطاع الخاص بحاجة الى حل جذري، فهو القطاع الذي يتعيش على حسابه القطاع العام، واذا بقي اغلبه منهكا بهذه الطريقة، فقد يصير مطلوبا من الحكومة ان تعيد صياغة ارقام التحصيلات والعجز في موازنة 2021، لتصبح اكبر، لان الكل يعرف ان اغلب التحصيلات هي من القطاع الخاص.
حتى تعمّر الحكومة طويلا، لا بد من تعامل مختلف مع الملفين، السياسي، عبر تعديل عميق وغير شكلي، والاقتصادي عبر حزمة إجراءات لتحرير القطاع الخاص، من وضعه الصعب.
مهمة الرئيس وحكومته الاولى، اخراجنا من مناخات كورونا، ومعيار النجاح هنا، هو الذي يحدد عمر الحكومة، طويلا، ام قصيرا، تلك هي كل القصة، وتلك هي امانينا أيضا.