عمان-ضمن البرنامج الثقافي “المرأة تروي سيرة المدن”، الذي ينظمه منتدى الرواد الكبار تحدثت أول من أمس هيفاء البشير عن مدينة نابلس وارتباطها بها، ادار الحوار المستشارة الثقافية في للمنتدى القاصة سحر ملص التي قالت “إن الحدث عن سيرة المدينة نابلس والتي تتحدث عنها هيفاء البشير بأننا كثيرا ما نظن أننا نسكن المدن وأنها هي الحاضنة لأجسادنا وأروحنا لكن الحقيقة أن المدن هي التي تسكن في أعماقنا حيث أننا مهما سافرنا وابتعدنا في هذا العالم ستظل بوصلة القلب تشير باتجاه مدينتنا الأولى”.
وقالت رئيسة جمعية الاسرة البيضاء-دار الضيافة للمسين-منتدى الرواد الكبار ميسون العرموطي إن رسالة منتدى الرواد الكبار هي أن نكون سنداَ قوياً لأبناء مجتمعنا من كبار السن بتقديم ما هو مفيد وممتع ضمن رسالة جمعية الأسرة البيضاء، لافتة الى مؤسسة الجمعية هيفاء البشير تحدثنا عن مدينتها ومسقط رأسها مدينة نابلس، وذلك ضمن برنامج “المرأة تروي سيرة المدن”.
عرفت البشير على نفسها قائلة “أنا هيفاء مسعود درويش ملحيس؛ زوجةُ المرحوم د. محمد البشير وزير الصحة الأردني الاسبق، ولدتُ لأبوينِ كريمَين في مدينةِ نابلس… نشأتُ في منزلٍ من إرثِ الأجداد على رأسِ وادٍ يُسمى “حارةَ العقبة”، بيتُنا على رأسِ الحارة يتكوّنُ من ثلاثِ طبقات، الأعلى ينفتح على شارعٍ أسفلَ جبل جرزيم، شارعٌ مُستعرضُ تُحيطُ بالجوار منازلَ دارُ عرفات ودارُ قنازع ودارُ المصري من جانب… ودارُ فطاير ونحن من الجانبِ الآخر، وتُطلُّ على الجوار من أسفل دارُ عباس… سِعةُ بيتِنا ثلاثةُ طوابق… ينفتحُ أسفَلُهُ على حارةِ العقبة التي تمتدُّ من أسفلِ جرزيم حتى وسط المدينة التجاري… بيتُنا وإن كانَ ثلاثَةَ طوابقٍ إلاّ أنّ مساحاتِ البيتِ محدُودة “غرفةُ وصالةٌ ثم الدرج”… نحنُ أهلُ البيتِ نُسمّيهِ بمنطِقِ الفُكاهَةِ “السفرطاس”، كلُّ طابقٍ غرفةٌ وصالة”.
واشارت البشير إلى ان حارةُ العقبة تتميّزُ بتشكّلها مِن مُدرّج… كلُّ درجةٍ حوالي من أربعةِ إلى خمسةٍ أمتار، تسكُنُ العائلاتُ النابلسية على الطرفين منه… يُزيّنُهُ بلاطٌ كرستاليٌّ صغيرٌ ولام، وكنا نسكنُ نحنُ وأعمامي في رأسِ الحارة على الطرفين، وتسكُنُ مئاتُ العائلات على طرفي الحارة طولاً… دارُ الأسطة ودارُ حلاوه ودارُ عسقلان ودارُ الشرابي ودارُ أبو هنطش ودارُ أبو زينة ودارُ العمد ودارُ الخطيب وغيرهم، وفي آخرِ الحارة دارُ عبد الهادي على الزواية إلى اليسار.
وتحدثت عن طفولتها في نابلس وابرز المحطات التي عاشتها قائلة “كان عيشُنا في تلكَ المِنطقةِ جميلاً ومُمتعاً، فكانت الأسرةُ تلتئمُ كل مساءٍ حولَ الطبقِ الرئيسي ساعةَ عودةِ الوالد، على مائدةٍ خشبيّةٍ مستديرة، ترتفعُ 25 سنتيمتر عن الأرض، وتُغطّى بمشمّعٍ مبطّن، حولها مقاعد من القماش المحشو تُسمى جنّبيات، فنجلس حولها قعوداً على الأرض متربّعين… تستعدّ أمي وتحضّر أفضل طعامها، وبأفضل ملابسها، تُزيّنُ شعرَها بوردةٍ يانعة… وبعد تناول الوجبة وإزالة ما على المائدة – وتُسمى (ميده) – تُسندُ إلى جدارِ المطبخ… ولكن لم يمضِ وقتٌ في فترةِ طفولتي وحتّى سنّ الرابعة من العُمر لأستمتعَ بهكذا حياة هانئة، وإذا بوالدِي يُغادرُ الحياة.
اما عن دراستها فقالت البشير “حصلتُ على شهادة المترك بإسم “الاجتياز للتعليم العالي الفلسطيني” من كلية دارِ المُعلّمات بالقدس عام 1948، ثم شهادة البكالوريوس في التمريض من الجامعة الأردنية عام 1983، ثمّ شهادة الدبلوم العالي في الدراسات السكانية من الجامعة نفسها عام 1988، ودورةٌ في إدارة العمل التطوّعي في أمريكا بمدينة فيرمونت لمدّة شهر عام 1994″، مشيرة الى ان الأسرةُ حرِصَت على استكماليَ التعليم، للتسلّحِ بالعلمِ والثقافةِ كسلاحٍ لي في المستقبل.
وعن زواجها من د. محمد البشير وكيف تقدّمَ لطالب يدها للزواج، “لم أكُن أتطلّعُ أو افكر بالزواج بعد، وكونه خريجُ كليةِ الطبّ من جامعةِ دمشق، ويعمل في خدمةِ لواءِ البلقاء، فقد كان يُتوقَّعُ له مستقبلاً مميزاً، حيثُ ساهمَ صديقٌ مُشتركٌ له ولأخي حفظي إرشادَه، لتتلاقى دُروبُنا في شراكةِ زواج… ذهبَ أخي للسُّؤالِ عنه قبل موافقتنا، فوَجدَ جواباً عند الشاعر سليمان المشيني السلطي المسيحي، وعندما جاءَ أٌقارِبُه لخطبتي، رافقتهم سيدةٌ مسيحيةٌ من دارِ المعشر صديقةٌ للعائلة وجارة، وهذا يدلُّ أنّ العيشَ مُشتركٌ بينَ المسلمين والمسيحيين بشكلٍ تلقائيٍّ أصيل ولغاية اليوم في السلط”.
تتابع البشير حديثنا عن علاقاتها مع زوجها قائلة “تزوجنا في العام 1954 وانتقلتُ للعيشِ معهُ في مدينةِ السلط، وما بين التأقلُمِ في بيئةٍ جديدة، وحنيني لنابلس، والضيق من عدمِ إمكانية استئنافِ العمل في التعليم -إذ كانَ القانونُ آنذاك يحظرُ عملَ النساء المتزوجات-أنجبتُ ابني البكر مازن عام 1955، وشاءَ القدرُ أن يُحقّقَ رغبتي بالعودة للتدريس، إذ تصادفَ شغور موقع معلمة اللغة الإنجليزية في المدرسة الثانوية بالسلط لم يُملأ لعدم توفّر بديل، فتطوّعتُ للعملِ ريثما يجدون بديلة”.
ووصلت الحديث عن فكرة العمل في الأردن والصعوبات التي وجهتها في تلك الفترة “ورغم أنني انخرطتُ في البدء برعايةِ أسرتي، واعتباري ذلك عملاً مقدساً، إلاّ أن السيدةُ زينب بدران مديرةُ المدرسة الثانوية للبنات رشّحتني للعملِ مُدرّسةً للّغةِ الإنجليزية، حيث تعذّرَ وجودُ معلّمةً لعدّةِ أشهر، فعمِلتُ لملءِ الفراغ، رغمَ عدمِ سماحِ القانون بعملِ المُتزوّجات، وأتاحَ العملُ لي التعرّفَ على المديرةِ والمعلّمات والطالبات، وعُيّنتُ في البدءِ بنِصفِ راتبٍ بسببِ أنّني متزوجه، وتمّ إصدار قرارٍ استثنائي في العام 1956 بتعييني رسمياً، فكنت أوّلَ امرأةٍ متزوّجة تنالُ هذا الحقّ في الحكومة الأردنية، وهذا فتحت طريق عملٍ للمتزوجات. وخلالَ خمسة أعوامٍ أصبحتُ أمّاً لأربعة أطفال ذكور، وقد مكّنني دعمُ زوجي من مواصلةِ العمل المهني إضافةً للمسؤولية الأسرية، في نفس الوقت احتضنّا في بيتنا والدة زوجي. ولكن لم تجرِ الأمورُ لصالحي، إذ كانَ وزيرُ التربية والتعليم الشيخ أمين الشنقيطي في داخل نفسه ضدَّ عملِ المرأة المتزوجة، فأصدرَ في العام 1962 قراراً تعسّفياً بنقلي لمدينة الكرك، كما نقل باقي المتزوجات في مدارس الوطن، ممّا دفعني لتقديم الاستقالة”.
وقالت البشير في العام 1970 عُيّنَ الدكتور محمد البشير وزيراً للدولة ثمّ وزيراً للصحة، هنا أدركتُ أنّ عليَّ كرياديّةٍ وزوجةٍ لوزير الصحة، مسؤوليةَ المُبادرةِ لصُنعِ التغيير، فاتصلتُ بزوجاتِ الأطباءِ والصيادلة للتشاوِرِ معهنّ؛ بهدفِ تأسيسِ جمعيّةٍ خيريّةٍ لدعمِ قطاع التمريض بطلبٍ من د. محمد البشير، وتوافقنا على إنشاءِ “جمعيّةُ الأسَّرةِ البيضاء”، وتوجّهنا لمدارسِ البنات كان د. محمد يعاني من عدم وجود ممرضات اردنيات لتوعيتِهنّ بأهميّةِ مهنةِ التمريض، أسوةً بنساء صدر الدين الإسلامي وعهد الرسول الكريم… وامتدّت خدمات أعضاء الجمعية التطوعية لدعم السلك التمريضي بالمستشفيات، ولاحظ رئيس الوزراء، دولة وصفي التل، نتائج جهودنا عبرَ مقابلةٍ مع دولته، حيث شرحت ما تم العمل عليه auxiliary women for government hospitals، فدعانا للاهتمام أيضا برعاية المسنين ممن لا تتوفّرُ لهم رعايةٌ أسرية.
ثم انتقلت البشير للحديث عن مميزات نابلس وما صادفته في سيرتها في القرن التاسع عشر من محطات وتحديات كان أولها الحرب العالمية الأولى في العام 1918، حيث الحكم العثماني الذي فرض على أهل نابلس التجنيد في الجيش التركي ضد الحلفاء البريطانيين والفرنسيين، حيث جند اثنين من أخوالي ومع الاسف لم يعودوا، لكن والدي اشترى نفسه بثلاثين ليرة دهب، مشيرة الى الزلزال الذي تعرضت له نابلس تعرضت في العام 1927، وكان زلزال شديد هدمت فيها البيوت وحدثت الكثير من الوفيات والآلام. وفي العام 1935، حصل طوفان كبير غمر البيوت وازهقت فيه الأرواح. قائلة “أذكره أنا شخصياً وكنت في عمر أربع سنوات، حيث كانت حملة المطر شديدة جداً جرفت جبل جرزيم وقسمته من الوسط وجرفت المياه والطمم الذي غمر المدينة.
تواصل: اذكر أن المياه كانت تدخل من باب بيتنا على الشارع المستعرض وتنزل عبر الأدراج للطوابق الثلاث لتخرج من الباب الأسفل على حاره العقبة، وقد غطت المياه حارة العقبة بنهر من الطمم، وحينما نظرنا من شباك بيتنا في الطابق الأعلى كانت المياه الحمراء والطمم تغطي حتى أعلى دقاقة الباب لدار عمي، كان منظراً مرعباً، كانت أمي تقضي الوقت بالصلاة والدعاء إلى الله أن يحفظ المدينة.
وتحدثت أيضا البشير عن أطول اضراب المقاومة للانتداب البريطاني في العام 1936، واستمر لمدة ستة شهور، وكان البريطانيون يبحثون عن الثوار في المدينة وكان هدفهم الثوار الفلاحين اللذين يلبسون الحطة والعقال. كل ذلك تمهيد لإعطاء فلسطين لليهود إذ أن البريطانيون كانوا متحيزون جداً لصالح اليهود، قائلة “كان لرجال الريف الثوار دور أكبر في المقاومة حينئذً، قرر سكان المدينة الذين يعتزون في لبسهم الطربوسن الأحمر عدم لبسه واستبداله بالحطة الريفية أسوه بسكان الريف ليضيع الحابل بالنابل منذ تلك اللحظة لم يعد يلبس أهل المدن المخلصون للقضية لبس الطربوشن، إلا عدداً بسيطاً سموا المجلسيون، وهم المتعاونون مع رجال الانتداب البريطانيين، كنا كمواطنين ننظر لهؤلاء المتعاونين بالريبة ونعتبرهم خونه للقضية”.
وبعد أحداث 1948 أزداد النمو السكاني للمدينة حيث تدفق عليها اعداد كثيرة من اللاجئين أقاموا مخيمات حولها وامتداد العمران ووصل قمة جبليها، البلدة القديمة في الوسط شرقاً وغرباً، فنابلس تمتاز كما قالت البشير بـ”الينابيع”، يقع في مقدمة ينابيعها الدفاقة نبع القريون، لم يغب عطاؤها من المياه عبر الأزمان تمر بالقرب من منازل ساكنيها ومن مساجدها ومراكزها تنساب من الأزقة والأسواق تجمع نبع بلاطه نبع عسكر ونبع يعقوب ونبع القريون ونبع راس العين ونبع العسل ونبع القوارين هذا التدفق خلق لدى المواطن النابلسي أبداعات إنسانية ومزاج رائق.
وتحدثت صناعة الصابون التي تميّزت بها مدينة نابلس، وكلّ قيادات نابلس تقريباً امتلكت مصابن، كما اشتهرت بصناعة الكنافة والحلاوة والزلابية وقرص التوم، وبتقاليد الأعراس والحجّ والولادة وختم القرآن، لافتا الى العلاقة الأردنية الفلسطينية كانت عبارة عن “نسيج صاغه التاريخ وحمته الضمائر، ورعاية المرأة مصلحة وطنية، التضامن المجتمعي ركيزه وطنيه وتربية الأجيال سلاح وطني لبناء المستقبل”.
ويذكر ان هيفاء البشير قد أسستُ جمعيةَ الأسرة البيضاء، ودارَ الضيافة للمسنين التابعة للجمعية وأسّست مُنتدى الرواد الكبار ثم مديره له تطوّعاً، وشغلت عضوية المجلس الصحي العالي ومجلس أمانة العاصمة، وشاركت في تأسيس الاتحاد النسائي الأردني العام ورئيسته الأولى وتوليت منصب نائبة رئيسة الاتحاد النسائي العربي العام، وفي العام 1981 أسست وزميلات أربعة أخريات الإتحاد النسائي الأردني العام وكنت الرئيسة الأولى بالإنتخاب حتى عام 1990، تشرفت بعضوية المجلس الوطني الإستشاري عام 1982-1984، وعينت في مجلس أمانة العاصمة 1980 ثم أعيد تعييني في مجلس أمانة عمان الكبرى للفترة 1986-1994 دور أساسي وحيوي في مفهوم الحكم المحلي وممارسته.
شاركت في انتخابات 1989 عن مدينة عمّان رغم مختلف الصعوبات، وبذلت جهودي في حملة ابني الدكتور عوني كمرشح للبلقاء حيث فاز هو ولم أفز أنا، ولم تفز أي أمراه في الانتخابات لعدم تفهم المجتمع لدور المرأة حتى هذا التاريخ، وأسّست في ناعور جمعيّةَ التأهيل النفسي، ومُؤسِّسةُ مركز الصفصاف للتأهيلِ التابعِ للجمعية، وأرأس حالياً الائتلاف الصحي لحماية المريض والذي تشكّل من عشرين جمعية معنيّة بالأمراض المختلفة، والذي أطلق الميثاق الوطني لحماية المريض، موضحاَ آلية التعامل بين المريض والطبيب وواجبات كلّ منهما، حيث تشكّل بجهود كافة المعنيين في القطاع الصحي، وحالياً يُدرّس الميثاق بالمدارس والجامعات المعنية بالصحة.
وحصلت على العديد من الجوائزِ والأوسمة، من أبرزِها وسامُ الحُسين للعطاء المُميز من الدرجة الأولى، جائزةٌ من المركزِ الثقافي الإيطالي في روما تقديراً لدوري في العمل العام 1977 بترشيح من المرحوم عصام العجلوني، جائزةُ جلالة الملكة نور للقصةِ القصيرة عام 1994، جائزةُ الأسرة المثالية من إمارة دبي في 2005 ضمن مهرجان دبي للتسوّق، وجائزةُ مُلتقى الروّاد والمُبدعين العرب الذي يعتبرُ مِنبراً للمُثقفين والمبدعين من إمارة الشارقة.