فاز النائب عبد المنعم العودات برئاسة مجلس النواب بكل اريحية وسهولة، ولولا ترشح النائب محمد عناد الفايز في اللحظات الاخيرة لحفظ هيبة المجلس لأصبح العودات وحيدا ينافس نفسه على تبوؤ رئاسة السلطة التشريعية.
لم يكن مفاجئا فوز العودات بالرئاسة، وانسحاب المنافسين له مثل عبد الكريم الدغمي وايمن المجالي مما يشي بكل وضوح الى تفاهمات طبخت خارج مجلس النواب كرست الفرصة المضمونة للفوز الكبير للعودات، وذات الامر ينطبق على موقع النائب الاول الذي استحوذ عليه النائب احمد الصفدي.
بالتأكيد رئاسة مجلس النواب ليست شأنا داخليا للنواب كما نعرف وكما تكرس واقعيا، بل هي حصيلة تسويات وتفاهمات وتقاطعات داخل اجهزة الدولة.
حُسم الخيار لمصلحة العودات وهو نائب مخضرم يتمتع بخبرة قانونية وتشريعية، ومطلع على تفاصيل اللعبة البرلمانية، ويعرف التوازنات داخل الدولة، ويستند مثلما كشفت الانتخابات الى قاعدة نيابية قوية تشكلت وبنيت لدعمه وتتراوح بين 80 الى 90 نائبا ونائبة.
لا تستقيم الامور على هذا النحو من الثبات داخل مجلس النواب، فاللعبة تتنازعها المصالح، والمواقف تتبدل وتتغير احيانا، خاصة انها لا تعبر عن سياق حزبي سياسي، ولهذا فإن النائب الاقدم الدغمي سيشكل مصدر قلق في ادارة اللعبة البرلمانية ان اراد، وهذا ينطبق على آخرين ممن اغضبتهم نتائج الانتخابات.
تشكلت حتى الان أربع كتل برلمانية اكبرها المستقبل بقيادة احمد الصفدي وتضم 30 نائبا ونائبة، والثانية القرار وتضم 24، والثالثة المسيرة وتضم 18، والاخيرة الشعب ومعها 16 نائبا ونائبة، وعجز نواب جبهة العمل الاسلامي والحلفاء في قائمة الاصلاح عن تشكيل كتلة، وهذا الوضع غير ثابت، والكتل في مجلس النواب اشبه بالرمال المتحركة.
القراءة الاولى للكتل تظهر تحالفا سيكون مساندا للمسار العام للحكومة ولصانعي القرار، والى تلاشي وضعف وجود معارضة منظمة، وان الاصوات المستقلة التي تريد الحضور والحفاظ على هيبة ومكانة مجلس النواب قد تخلق اجواء مشاكسة، للتأكيد انهم ليسوا في جيب الحكومة، والحقيقة ان هؤلاء لن يستطيعوا تغيير الاتجاهات للمسار السياسي تحت القبة او خارجها.
في المجالس النيابية السابقة سجل عبدالهادي المجالي وعاطف الطراونة بصمتين في رئاسة مجلس النواب، وتكرار انتخابهما لم يكن يعتمد على الطبخة والضغوط التي تمارسها اجهزة الدولة فقط، وانما وهو الاهم على قدرتهما على التشبيك وربط مصالح العديد من النواب بهما، وخلق ما يمكن تسميته شبكة مصالح تحولت الى نوع «الموالاة» لهما ان جاز التعبير، ورغم طول فترات رئاستهما فقد تميزت بالاستقرار والثبات، ولم تعش الحكومات اجواء انقلابات الا ما هو مخطط له، وتمتعت الحكومة بثمار «شهر عسل» طويل كل سيناريوهاته خاضعة للسيطرة ومعروفة.
لا اعتقد ان العودات سيدير مجلس النواب على غرار تجربة الطراونة، فالظروف والوسائل تغيرت، والتجارب قد لا يسمح بتكرارها ايضا، ومهما يكن فان مرحلة جديدة قد بدأت، وصفحة قد طويت، والمطلوب التدقيق بالرسائل التي بعثها العودات في خطابه بعد الفوز وتركز على حماية هيبة مجلس النواب، وتفعيل عناصر قوة ومنعة الدولة، وترسيخ دولة القانون، واعادة النظر في الاساليب التي اضرت بصورة المجلس، وتأكيد الدور الرقابي لتصحيح المسارات وتقويم الانحرافات.
يواجه مجلس النواب اختبارات مهمة في المرحلة القادمة، فهو مطالب بمراجعة سياسات وممارسات الحكومة في التعامل مع جائحة كورونا وفي مقدمتها اوامر الدفاع التي صدرت، وهذا يستدعي التساؤل ان كان المجلس سيبسط رقابته على اوامر اثارت وما تزال جدلا مجتمعيا حول نجاعتها، وتداعياتها، ومدى اتساقها مع احكام الدستور، والى اي درجة مست بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للناس؟
ملف كورونا هو اختبار مكشوف يظهر جدية مجلس النواب للمجتمع، وعلى البرلمان ان يتدخل بعد مرور 10 شهور صعبة غيرت في حياة الناس، وعصفت بالوضع الاقتصادي، وعليهم ان يدركوا ان كل افعالهم واقوالهم تحت القبة وخارجها تحت مجهر الرقابة.
سيخضع مجلس النواب لاختبارين اخرين في الايام القادمة اولها مارثون الثقة بحكومة الرئيس بشر الخصاونة، والثاني اقرار الموازنة العامة للدولة.
منذ عودة الحياة النيابية العام 1989 لم تسقط حكومة في اختبار الثقة، ولا يتوقع ان تواجه حكومة الخصاونة اختبارا عسيرا، وستحصد ثقة مريحة ستقترب من الاصوات التي حصدها رئيس مجلس النواب.
ما سيحدث في الثقة سيتكرر في الموازنة العامة، فالمديونية تتزايد بسبب جائحة كورونا وما رافقها من اغلاقات وحظر، والحكومة تقول انها لا تملك حلولا سحرية في ظرف عصيب، وهنا السؤال ماذا سيفعل مجلس النواب غير الخطابات؟