بموجب اتفاق اللجنة الثلاثية الرسمية التي تتضمن وزارة العمل وأصحاب العمل وممثلي العمل تم الاتفاق رسمياً بداية العام الحالي على رفع الحد الأدنى للأجور من 220 ديناراً إلى 260 دينارا في الشهر، بواقع زيادة مقدارها 40 ديناراً اعتباراً من الشهر الأول من العام المقبل.
هذه الزيادة من الناحية النظرية والعملية لها أهمية خاصة في تعزيز الأمن المعيشي لشريحة واسعة من العمال الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور المعمول به حاليا والبالغ 220 دينارا، ويساعدهم على تلبية جزء لا بأس به من احتياجاتهم المعيشية اليومية، وبالتالي هو ضروري في إطار تحسين الحياة اليومية للعاملين، ولا يوجد من ينكر حقهم بذلك.
لكن للأسف توقيت تنفيذ هذا القرار غير مناسب على الإطلاق، ولا يتماشى أبدا مع التحديات التي تعصف بالعديد من القطاعات الاقتصادية التي تعاني صعوبات كبيرة بالأساس في توفير الرواتب الأساسية وهي بحدها الأدنى المعمول به، فكيف ستلبي في المرحلة المقبلة أيّة زيادات جديدة في الأجور.
قرار اللجنة الثلاثية الخاصة بالحد الأدنى للأجور اتخذ في الـ24 من شهر شباط الماضي، أي انه اتخذ قبل انتشار جائحة كورونا والعمل بأوامر الدفاع التي ألزمت الكثير من القطاعات على التوقف عن العمل بتخفيض ساعات العمل اليومي، مما الحق بها خسائر فادحة، أثرت بشكل سلبي على استمرارية بعضها في العمل.
الحكومة اليوم أمام مأزق حقيقي في تنفيذ قرار الحكومة السابقة، فهي أمام خيارين احلاهما مرّ، إما تنفيذ القرار اعتبارا من الشهر المقبل وبالتالي تحميل القطاعات الاقتصاديّة المنهكة من كورونا بأعباء جديدة لا قدرة لهم على تحملها، مما سيدفع الكثير منهم لإغلاق نشاطه الاقتصاديّ والتوقف عن العمل مقابل زيادة أجور العاملين الذين من المؤكد الكثير منهم سيخسر عمله جراء توقف عمل منشأته، او اللجوء للتفكير خارج الصندوق للموازنة بين متطلبات العامل والحفاظ على ديمومة عمل القطاعات.
الخيار الثاني قد يكون الأكثر مرونة للدولة ولكافة الأطراف، فالاساس هو الحفاظ على استمرارية عمل المنشآت ودعمها قدر الامكان بعدم اللجوء لقرارات صعبة متمثلة في إعادة هيكلة القوى العاملة لديها للحد من الخسائر الكبيرة التي لحقت بها، فالكل يعلم ان التشدد المخفي في أوامر الدفاع الخاصة بالعمال هدفه الاساس منه منع تسريح العمالة رغم انه حق أصيل للشركات لمواجهة الاعباء المختلفة ودعم استمرارية عملها.
لا ننسى ان الكثير من القطاعات الاقتصاديّة قبل جائحة كورونا لديها مشاكل عديدة أصلاً في توفير الرواتب الدنيا للعاملين لديها، فغالبية المنشآت الاقتصاديّة وهي من الفئة المتوسطة والصغيرة تقوم بتقسيط الضرائب واشتراكات الضمان وغيرها من الرسوم من أجل توفير سيولة لشراء مدخلات الإنتاج وتوفير الرواتب الأساسية لها، ومع جائحة كورونا ازدادت الضغوطات على تلك الشركات والمنشآت بشكل كبير، وبات دعمها هماً وطنيّاً رسميّاً ضروريا.
قبل أيام قليلة، أعلنت الحكومة عن برنامج لدفع تعويضات للمتضررين من كورونا من خلال الالتزام بدفع جزء من رواتب العاملين في تلك القطاعات -يصل للنصف في بعض الحالات- بعد ان وفّرت الحكومة مبلغا يقدر بحوالي 200 مليون دينار للحفاظ على استمرارية عمل ما يقارب الـ170 ألف عامل، وبالتالي تطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور وسيساهم في ضياع تلك المخصصات التي تهدف أولا وأخيرا لاستمرارية العمل.
طبعاً قرار رفع الحد الأدنى للأجور قرار شعبوي بامتياز، لكن تداعياته الاقتصاديّة ستكون وخيمة في المدى القصير، وعلى الحكومة ان تراعي الموازنة بين الحفاظ على الاقتصاد واستمراره وبين الشعبويات، والمعيار هو الدراسات العلمية ان تكون كفيلة بإرشاد الحكومة نحو القرار السليم.
باستطاعة الحكومة تأجيل القرار 6 أشهر لحين عودة القطاعات المتوقفة عن العمل بنشاطها الاقتصاديّ، خاصةً وان لقاح كورونا بدأت فعاليته بالانتشار، ومن المرجح ان يستعيد الاقتصاد عافيته النسبية خلال الربع الثاني بعد حصول المملكة على حصتها من اللقاح والذي لن يكون قبل شهر شباط المقبل، حينها ستكون فترة الأشهر الستة مفيدة لكل القطاعات في الاستعداد لمرحلة جديدة من العمل والنشاط ودراسة الأوضاع عن كثب.
في حال اصرار الحكومة على التنفيذ الفوري لقرار زيادة الأجور فإنها يجب ان تفرق في تطبيق القرار بين العاملين في القطاعات المختلفة، فهناك قطاعات رابحة وتعمل بشكل جيد، وهناك قطاعات خاسرة لا تمتلك القدرة على تحمل أية اعباء، كما باستطاعة الحكومة استخدام اشتراكات الضمان الشهرية في دعم هذا التوجّه ضمن معادلة معينة تخفف في النهاية العبء عن المنشآت، وفي المحصلة يجب ان يكون القرار منسجما مع جميع الأطراف بعيداً عن الشعبويات.