المشاورات النيابية مستمرة لتشكيل الكتل. لغاية الآن أعلن عن تشكيل ثلاث كتل نيابية، ومن المتوقع أن نشهد ولادة المزيد من الكتل. من بين الصعوبات التي تبرز في الطريق، أن المجلس الجديد يضم نحو 100 نائب يخوضون التجربة للمرة الأولى، وغالبيتهم الساحقة من المستقلين.
أما التحدي الأكبر أمام الكتل، فهو المحافظة على ديمومتها وتماسكها، والخطر الذي يهدد استمرارها يكمن في عدم وجود برنامج عمل سياسي متفق عليه. تشكيل الكتل يتم بطريقة عشوائية ويخضع لمعايير العلاقة الشخصية والاعتبارات المناطقية، لكن مثل هذه الروابط سرعان ما تفقد قيمتها مع مرور الوقت وتعارض المصالح.
وما نلاحظه عند تشكيل كتلة جديدة هو الحرص على توزيع المناصب بين أركانها. هذا آخر شيء يمكن الاكتراث له شعبيا، الأهم أن يتفق أعضاء الكتل على خطط عمل مشتركة وأهداف محددة تشكل أرضية للعمل الكتلوي، ومن ثم يصبح توزيع المناصب أمرا روتينيا ومن المناسب في مثل هذه الحالات تدوير المواقع حتى لايستأثر بضعة أشخاص بالنفوذ في الكتلة.
مصلحة جميع الأطراف وأولها السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة هو تأطير العمل النيابي تحت القبة، وانضمام جميع النواب لكتل برلمانية، لا بل ومساعدة المجموعات المتعثرة على الوفاء بشروط تشكيل الكتل، لتحقيق الغاية المنشودة من مأسسة العمل النيابي، وتجاوز الحالة الفردية التي ترهق المجلس والحكومة.
بالنسبة للنواب، فإن وجود كتل برلمانية متماسكة تعبر عن نفسها في المحطات المفصلية بشكل موحد ومنسجم، يساعد إلى حد كبير في تحسين صورة النواب في أعين ناخبيهم، ويضفي إحساسا بالمسؤولية حيال الوطن وقضاياه، فلطالما كانت الخطابات النارية تحت القبة مثارا للتندر والسخرية الشعبية، إذا لم تقترن بفعل مؤسسي ينعكس على الأداء النيابي والتأثير بصناعة القرار بكل ما يهم حياة المواطنين ومصالحهم.
عندما يتصرف النواب ككتل بمرجعيات برامجية، يمكننا ساعتها أن نشهد سجالا برامجيا وعمليا تحت القبة، وتنافسا محمودا في طرح الحلول لما نواجه من مشكلات وتحديات على كل الأصعدة. المرحلة الحالية تحديدا استثنائية بكل المقاييس، وتتطلب تكاتفا وطنيا لعبور المحطة الأصعب في تاريخنا السياسي، وعلى الجميع أن يتصرف بقدر التحدي والمسؤولية.
مجلس النواب أمام أول اختبار لجديته في مأسسة عمله الكتلوي عند بدء مناقشة الثقة بالحكومة. هناك فرصة مواتية لتقديم أداء مختلف عن السابق، فقد مل الجمهور الخطابات التعبوية والانتقادات اللاذعة بدون طرح برامج بديلة من خلال الكتل النيابية، تتسم بالواقعية وقابلة للتنفيذ، وإلزام الحكومة بتطبيقها كشرط لمنح الثقة. ذلك ما يصنع الشراكة بين السلطتين على قاعدة الندية واحترام استقلال السلطات، عوضا عن الأشكال القديمة من التحالفات القائمة على المنافع والمصالح الذاتية.
إلى جانب التيار الأكبر من النواب الجدد، هناك عدد لا يستهان فيه من النواب أصحاب الخبرة، ويمكن لهؤلاء أن يلعبوا دورا محوريا في تأطير عمل المجلس وتسخير خبراتهم وتجاربهم السابقة لضمان ممارسة العمل النيابي بأدوات أفضل من السابق، وتجويد الأداء النيابي بما يحقق المصالح العليا للبلاد.
ينبغي عدم استثناء أحد من المشاركة في تكريس نموذج جديد من العمل النيابي، وإظهار الرغبة والإرادة في صون هيبة المجلس ودوره. نتائج الانتخابات ليست انتصارا لتيار حزبي وخسارة لفريق آخر. الانتخابات في بلادنا لا تحتمل مثل هذا التشخيص، وتشكيلة المجلس الجديد تعكس الوضع القائم بكل ما فيه من حقائق ما زلنا نطمح بتغييرها.