صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
مع الانتشار الواسع للفيروسات التنفسية خلال هذه الفترة ، تبرز تساؤلات حول سلوك المواطنين تجاه استخدام المضادات الحيوية، وما إذا كان هناك إفراط أو سوء استخدام لها، خصوصاً عند الإصابة بأعراض نزلات البرد والإنفلونزا.
وبهذا الخصوص، قال اختصاصي علم الأوبئة الدكتور غازي شركس إن موسم الخريف يشهد تزايدًا في انتشار الفيروسات التنفسية، الأمر الذي يدفع العديد من المواطنين إلى اللجوء للمضادات الحيوية بصورة خاطئة عند إصابتهم بنزلات البرد والإنفلونزا، اعتقادًا منهم بأنها تعالج هذه الحالات.
وأضاف شركس خلال حديثه لـ”صدى لالشعب” أن عدداً كبيراً من الأشخاص فور شعورهم بأعراض الرشح أو الإنفلونزا يلجؤون إلى تناول المضادات الحيوية دون استشارة طبية، لاعتقادهم الخاطئ بأن هذه الأدوية قادرة على تسريع الشفاء.
ولفت إلى أن سهولة الحصول على المضادات الحيوية من الصيدليات دون وصفة تسهم في تفاقم هذا السلوك، مبينًا أن بعض المرضى يتناولون ما تبقى لديهم من مضادات حيوية كانت وصفة لهم سابقًا لعلاج التهاب اللوزتين أو نزلات البرد، فيستخدمونها من جديد بشكل عشوائي وغير منضبط.
وأوضح أن هناك فرقاً جوهرياً بين العدوى البكتيرية والعدوى الفيروسية، مبينًا أن العدوى البكتيرية هي ميكروبات يمكن القضاء عليها من خلال مضادات حيوية صممت خصيصًا لمكافحة أنواع مختلفة من البكتيريا، فيما تنتج العدوى الفيروسية عن فيروسات تختلف كلياً عن البكتيريا ولا تتأثر بالمضادات الحيوية.
وأضاف أن بعض الفيروسات لها أدوية خاصة تعرف بمضادات الفيروسات، وهي مختلفة تمامًا عن المضادات الحيوية، ما يؤكد أن المضادات الحيوية فعالة فقط ضد البكتيريا ولا تعالج الفيروسات.
وبين أن تناول الدواء دون الحاجة إليه من مخاطر الصحية الناجمة عن الاستخدام غير المنضبط للمضادات الحيوية يُعد مشكلة بحد ذاته لما قد يسببه من أعراض جانبية غير مبررة.
وأوضح أن الاستخدام المتكرر للمضادات الحيوية يضر بالبكتيريا النافعة الموجودة في الجهاز الهضمي، ما يؤدي إلى مشكلات هضمية أبرزها عسر الهضم.
وأشار إلى أن تناول المضاد الحيوي دون وجود عدوى بكتيرية حقيقية قد يؤدي في المستقبل إلى عدم استجابة البكتيريا للعلاج ذاته، لأنها تكون قد طورت مقاومة ضده نتيجة الاستخدام المتكرر.
وأكد أن هذه الممارسات تُسهم في انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وهي مشكلة عالمية خطيرة تتفاقم بسبب سهولة تداول هذه الأدوية دون رقابة، سواء بشرائها مباشرة من الصيدليات أو الحصول عليها من الآخرين دون وصفة طبية.
وحذر من أن مقاومة المضادات الحيوية قد تجعل المرضى غير قادرين على الشفاء من الالتهابات البكتيرية مستقبلاً، ما قد يضطرهم لدخول المستشفى وتلقي علاجات أقوى وأكثر تكلفة، مشيراً إلى أن بعض الحالات قد تكون مقاومة لجميع المضادات الحيوية المتوافرة، مما يعرض المرضى لمضاعفات خطيرة قد تصل إلى الوفاة.
وحول كيفية ظهور البكتيريا المقاومة وخطورتها على حياة المرضى، أكد أن الاستخدام المتكرر وغير المبرر للمضادات الحيوية يدفع البكتيريا إلى تطوير آليات مقاومة، ما يجعل المضادات التقليدية غير فعالة.
وأوضح أنه عند إصابة المريض بالعدوى مرة أخرى لن تنجح العلاجات المتعارف عليها، وسيكون من الضروري استخدام أدوية من أجيال أحدث قد تكون أغلى ثمناً وأكثر عرضة للتسبب بأعراض جانبية.
وأضاف أن بعض السلالات البكتيرية قد تصبح شديدة المقاومة بحيث لا تستجيب لأي من المضادات المتاحة، ما يشكل تهديداً مباشراً لحياة المصابين بالتهابات بكتيرية حادة.
وفيما يتعلق بعلاج نزلات البرد والإنفلونزا، أكد أن معظم هذه الإصابات فيروسية ولا تحتاج إلى مضادات حيوية، مشددًا على أن العلاج يعتمد على الراحة، وشرب السوائل بكميات كافية، وتناول فيتامين “سي”، إضافة إلى خافضات الحرارة كـ”باراسيتامول” أو “إيبوبروفين”.
وأوضح أنه في حالات الزكام يمكن استخدام قطرات أو جل لفتح الأنف، بينما تساعد أدوية السعال في تخفيف حدته عند الحاجة.
وأضاف أنه في حالات الالتهابات الفيروسية الشديدة قد يصف الطبيب مضادات للفيروسات وليس مضادات حيوية، لافتًا إلى أهمية استنشاق البخار وشرب السوائل الدافئة واستخدام أجهزة التبخير عند حدوث تهيج في القصبات نتيجة نزلات البرد.
وشدد على أهمية الالتزام بإجراءات الوقاية خلال موسم انتشار الفيروسات التنفسية، مشيرًا إلى أن جائحة كورونا علمت الجميع أهمية غسل اليدين وتعقيمهما وارتداء الكمامات وتجنب لمس الأسطح الملوثة والوجه.
ودعا إلى ترك مسافة آمنة عن الأشخاص المصابين، وتجنب الأماكن المكتظة، وأخذ لقاح الإنفلونزا الموسمي خصوصًا لكبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة وضعف المناعة، مؤكدًا في الوقت ذاته ضرورة عدم استخدام المضادات الحيوية إلا بناءً على وصفة طبية.






