الروضان لـ”صدى الشعب”: الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي التوليدي يضعف المهارات الذهنية الأساسية
صدى الشعب – ميس أسامة
يواصل الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسه نماذج اللغات الضخمة مثل ChatGPT، التوسع في مختلف مجالات الحياة اليومية، بعد أن أصبح استخدامه شائعاً بين الأفراد في التعليم والعمل وإنجاز المهام السريعة.
وهذا الانتشار المتسارع يطرح تساؤلات حول أثر الاعتماد المتزايد على هذه التقنيات في القدرات الذهنية والإبداعية للإنسان، وحدود الاستخدام الذي يظل داعماً للمعرفة دون أن يتحول إلى بديل للجهد البشري.
ومع تزايد النقاشات حول الدور الذي يجب أن يؤديه الذكاء الاصطناعي في حياة الأفراد، يبرز سؤال جوهري كيف يمكن الاستفادة من هذه الأدوات دون الوقوع في الاتكالية التي تنعكس سلباً على التفكير والتحليل والإبداع؟
ورغم أن الذكاء الاصطناعي سهّل على الأفراد العديد من المهام، فإن المبالغة في استخدامه تضع الإنسان أمام خطر الانتقال إلى دائرة الاتكالية وفقدان الدور الحقيقي للعقل في التحليل والتفكير.
بين الاستخدام السليم والاستخدام الذي يخلق الاتكالية
وبهذا الإطار، قال الخبير وأستاذ الذكاء الاصطناعي المشارك في الجامعة الأردنية الدكتور علي الروضان، إن نماذج اللغات الضخمة، ومنها “شات جي بي تي”، تمثل جيلاً جديدًا من أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتعتمد على معمارية “المحوّلات”، وعلى تدريب واسع ببيانات نصية ضخمة، باستخدام تقنيات التعلم الذاتي الإشرافي.
وأضاف الروضان، خلال حديثه لـ”صدى الشعب”، أن هذه النماذج لم تعد برامج تقليدية، بل أصبحت منظومات معرفية قادرة على تحليل النصوص وفهم السياق وتوليد المحتوى، ما جعل استخدامها واسعًا في التعليم والعمل والحياة اليومية.
وبيّن أن الإقبال المتزايد على “شات جي بي تي” يعود لقدرته على أداء دور “المساعد الذكي”، والقيام بمهام التحليل والصياغة ومعالجة اللغة بجودة عالية، في وقت يشهد فيه العالم وفرة كبيرة في المعلومات.
وأوضح أن الخطر لا يكمن في التكنولوجيا بحد ذاتها، وإنما في التحول إلى الاعتماد المفرط عليها في أداء المهام، مشيرًا إلى أن الاستخدام السليم هو الذي يعزز التفكير والتحليل، فيما يتحول الاعتماد الكامل إلى حالة اتكالية تلغي دور الإنسان في العملية المعرفية.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه دعم الإبداع من خلال توسيع الأفكار وتسريع الوصول إلى المعلومات، لكنه قد يؤدي إلى ضعف الإبداع إذا استغنى الفرد عن دوره في توليد الفكرة الأساسية، مؤكداً أهمية بقاء “البصمة الشخصية” للإنسان في كل إنتاج معرفي.
وقال إن مهارات عدة تتأثر بالاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي، من أبرزها التفكير النقدي والقدرة التحليلية والكتابة وحل المشكلات والذاكرة العاملة، وهي مهارات تعدّ أساس الوظائف الذهنية للإنسان.
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسبب ما يسمى “الحمل المعرفي السالب”، وهو نقل جزء من مهام العقل إلى الآلة، ما يضعف المسارات العصبية المرتبطة بالوظائف التنفيذية. وضرب مثالاً بمستخدمي أنظمة الملاحة الذين يعرفون الوجهة لكنهم يفقدون القدرة على تذكر الطريق.
وفيما يتعلق بكيفية تحقيق التوازن بين الإنتاجية والحفاظ على القدرات الذهنية، قال الروضان إن على الإنسان أن يبقى داخل “حلقة القرار”، وأن يبدأ بتحليل المشكلة ذاتيًا قبل استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير الفكرة أو تنظيمها.
وأكد أن الذكاء الاصطناعي يرفع الإنتاجية، إلا أن العقل البشري يجب أن يبقى الأساس في اتخاذ القرار.
ودعا الشباب إلى كتابة الأفكار الأولية ذاتيًا قبل استخدام الذكاء الاصطناعي، واللجوء إلى القراءة من مصادر أصلية، وممارسة التحليل العميق، والتأكد من المعلومات التي ينتجها النظام بسبب احتمالية وقوع هلوسات معرفية.
وشدد على ضرورة الحفاظ على الأسلوب الشخصي عند استخدام النتائج الصادرة عن الذكاء الاصطناعي، والتعامل معه كأداة تدريب معرفي، وليس بديلاً عن التفكير البشري.
وقال بأن الذكاء الاصطناعي يمثل شريكًا معرفيًا مهمًا، لكنه لا يستطيع استبدال الهوية الفكرية للإنسان، مؤكداً أن الفكرة الأساسية يجب أن تبقى ملكًا لصاحبها.






