صدى الشعب – أسيـل جمــال الطـراونـة
مع اقتراب فصل الشتاء، تبدأ المزاجات بالتبدل، ويشعر كثير من الناس بانخفاض في الطاقة وصعوبة في النهوض صباحًا، وكأن الحياة فقدت ألوانها المعتادة ، هذه الحالة، التي تبدو للبعض “مزاجية شتوية”، قد تكون في الواقع اضطرابًا نفسيًا يُعرف بـ الاكتئاب الموسمي (Seasonal Affective Disorder – SAD)، وهو أحد أشكال الاضطراب الاكتئابي الكبير المرتبط بتغير الفصول.
يقول الدكتور حذيفة أحمد الرحاحلة، اختصاصي نفسي إكلينيكي، إن السبب الرئيس وراء هذه الحالة يعود إلى نقص التعرض للضوء الطبيعي، مما يؤدي إلى تغيرات بيولوجية في الدماغ تؤثر على النواقل العصبية المسؤولة عن السعادة والطاقة.
آليات بيولوجية وراء الاضطراب
من الناحية الطبية، يوضح الدكتور الرحاحلة أن هناك ثلاث آليات رئيسية تفسر هذا النوع من الاكتئاب انخفاض السيروتونين وهو الناقل العصبي المرتبط بالشعور بالرضا والمزاج الجيد، حيث يؤدي قلة التعرض للضوء إلى انخفاض نشاطه في الدماغ، مما يسبب الشعور بالحزن واللامبالاة
وزيادة الميلاتونين وهو الهرمون الذي يُفرز أثناء الظلام وينظم النوم. في الشتاء يزداد إفرازه بسبب قصر النهار، ما ينعكس خمولًا ونعاسًا وضعفًا في الطاقة ايضاً اضطراب الساعة البيولوجية
الضوء الطبيعي هو المنظّم الرئيس لإيقاع النوم والاستيقاظ، ومع نقصه يختل هذا الإيقاع، فيحدث اضطراب في النوم والمزاج معًا.
أعراض تتكرر مع الفصول
كما يوضح الرحاحلة أن أعراض الاكتئاب الموسمي تتشابه مع الاكتئاب العادي، لكنها تتميز بدورية ظهورها مع الفصول. وتشمل الأعراض شعور بالحزن أو الاكتئاب معظم الوقت وفقدان الاهتمام بالأنشطة الممتعة ايضاً زيادة الحاجة إلى النوم والخمول ورغبة شديدة في تناول الأطعمة النشوية أو السكرية زيادة في الوزن وصعوبة في التركيز والشعور بالذنب أو انعدام القيمة.
ويضيف الدكتور الرحاحلة أن بعض الحالات النادرة قد تعاني من الاكتئاب الصيفي، الذي يظهر بعكس النمط المعتاد، ويتسم بالأرق، وفقدان الشهية، والقلق الزائد.
تشخيص دقيق واستبعاد الأسباب الجسدية
يشير الاختصاصي النفسي إلى أن التشخيص لا يُمكن تأكيده إلا بعد تكرار الأعراض خلال موسمين متتاليين على الأقل، مع زوالها في باقي الفصول.
ويعتمد الطبيب على المقابلة الإكلينيكية، إلى جانب استبعاد اضطرابات جسدية مثل مشكلات الغدة الدرقية التي قد تُظهر أعراضًا مشابهة.
العلاج.. بين الضوء والسلوك
ويبين الدكتور الرحاحلة أن الاكتئاب الموسمي قابل للعلاج بطرق متعددة، أهمها العلاج بالضوء إذ
يُعدّ من أكثر الطرق فعالية، إذ يُعرَّض المريض يوميًا لضوء صناعي يحاكي ضوء الشمس، مما يساعد على تنظيم الساعة البيولوجية وتحسين المزاج العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يهدف إلى تعديل الأفكار السلبية وتعليم الشخص سلوكيات تساعده على الحفاظ على استقراره النفسي خلال فصول السنة المظلمة.
والعلاج الدوائي في بعض الحالات تُستخدم مضادات الاكتئاب مثل السيرترالين أو الفلوكسيتين، لكن تحت إشراف الطبيب النفسي فقط و الحياة الصحي قضاء وقت أطول في ضوء النهار.
وممارسة النشاط البدني بانتظام ايضاً الحفاظ على نظام نوم ثابت وتناول غذاء متوازن وغني بفيتامين D.
يؤكد الدكتور الرحاحلة أن الاكتئاب الموسمي ليس ضعفًا في الإرادة، بل استجابة بيولوجية ونفسية لتغيّر البيئة المحيطة.
ويضيف الوعي بهذه الحالة هو الخطوة الأولى للوقاية والعلاج، فكما تعود الشمس لتشرق بعد كل ليل طويل، كذلك يعود النور إلى نفوسنا حين نمنحها الرعاية والاهتمام.
