صدى الشعب – تتسم الأعمال الفنية للفنانة التشكيلية الأردنية ريما كنعان بلغة الألوان الغنية بالمعاني العميقة.
إذ تترجم مشاعرها وأفكارها إلى لوحات تجسد علم الجمال، مستخدمة فرشاتها برشاقة. لتغوص باحثة بين الألوان عن أفكار تنبض بالهدوء والسكينة، وتقدم لوحات تعكس الجانب المشرق والمبهج من الحياة، بعيدا عن قسوتها.
تحمل تشكيلات كنعان بعدا جماليا وثقافيا، يعكس دورها كفنانة منتجة ومبدعة، مما ضاعف من مسؤوليتها في خلق مناخات فنية وثقافية إبداعية. في تجربتها الفنية، تسعى كنعان إلى تشكيل نسيج لوني يحاكي جمال الطبيعة ومحتواها، ممزوجة بتوليفة متناغمة من اللون والفكرة، من خلال رؤيتها التشكيلية، تعكس روح المكان وعبقريته بطريقة فنية لافتة.
من هي؟
الفنانة ريما كنعان حاصلة على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والأعمال من جامعة آل البيت، إلا أن ذلك لم يقلل من شغفها العميق بالفنون التشكيلية، الذي ظل يرافقها في كل مراحل حياتها. كانت بداية رحلتها الفنية في أبوظبي، مسقط رأسها، حيث تلقت تعليمها المدرسي المبكر.
بفضل الدعم الكبير من أسرتها، التي وقفت إلى جانبها، نمت موهبتها وتطورت في هذا المجال الذي تصفه بأنه “عالم الجمال”. وترى كنعان، التي شاركت في العديد من المعارض داخل الأردن وخارجه، وأقامت معارض شخصية مثل “فراشة كنعان” و”ظل ونور”، أن دور الفنان يكمن في رصد حركة الجمال بتركيز ووعي.
ولذلك، أخذت على عاتقها توثيق منابع الجمال من حولها، سواء مناظر الطبيعة الخلابة، أو الموروثين الشعبي والأثري، أو التنوع الاجتماعي بما يحمله من تقاليد فنية وطقوس تتعلق بالأفراح والأتراح.
باستخدام أدواتها الفنية، تسعى كنعان إلى التعبير عن ذائقة المجتمع، معتمدة على أساليب فنية تنسجم مع ما يدور في ذهنها من أفكار تتلاءم مع الحدث. وتبدع في إنجاز أعمال فنية تخطف الأنظار بألوانها وأشكالها، مما يغرق المتلقي في رحلة بصرية، تبرز حرفيتها وتمكنها من توظيف الألوان بدقة وإبداع في كل عمل.
يتجلى في أعمال كنعان التكنيك اللوني الممزوج بالفكرة، وهو ما يظهر بوضوح في عدد من لوحاتها.
مذكرات فراشة
وتبرز لوحة “مذكرات فراشة”، من الأمثلة البارزة على هذا التكنيك المتناغم بين الألوان وفكرة العمل. إذ تعكس اللوحة إشارات عديدة. ويبين العمل ذاته، قدرتها على نقل حالة التأمل في فصل الخريف، عبر الجلوس أمام النافذة، لتصف عبر استخدامها الألوان الهادئة والخفيفة قيمة لونية، يستطيع المتلقي أن يبحر في عالمها من خلال صياغتها اللونية التي تؤدي إلى إبهار بصري، وهذا ما فعلته.
وفي لوحة أخرى، رمزت الفنانة كنعان إلى روحها التي كلما كادت أن تنطفئ أنارها للفراشات قنديل، جعلها تشتعل كوناً ليلكياً، ما يعطي دلالة واضحة على تناغم محتوى اللوحة بدءا من الفكرة مرورا بالخطوط التشكيلية، وانتهاء بإتمام اللوحة على شكلها، النهاية التي تعطي تساؤلات يفرضها المتلقي في وقت، ويستنتج ما ترمز إليه فكرة اللوحة، وهذا هو جزء من وجود الفن التشكيلي لزيادة المعرفة للمتلقي في الخروج من مرحلة الفرجة إلى مرحلة التحليل والتأمل.
ووفقاً لذلك، فإن التشكيلية كنعان تؤكد على أن لغة الألوان والأشكال هي انعكاس الواقع على الذات، فتكون اللوحة الفنية مرآة لذلك الانعكاس، مشيرة إلى الرسم التأثيري بالألوان الزيتية تعتمد على إسقاط الضوء والظل في اللوحة، فنقل المتلقي إلى الغوص في أعماقها، وهذا ما ترمي إليه في فهم الفكرة التي بنيت على أساسها اللوحة، والاستخدام للنوعية.
ولا تنكر التشكيلية كنعان أن كل فنان يتميز عن غيره في طريقة تنفيذه ورؤيته للشكل الذي يخرج فيه اللوحة بحسب منظوره الفني وذائقته، وأن التقنيات والخامات تلعب دوراً أساسياً في كل عمل يقدمه أي فنان، موضحة أن الألوان الزيتية تمنح اللوحة بعداً جمالياً مشعاً، على خلاف ألوان الأكريليك، فهي مادة مستحدثة وجيدة للطبقات اللونية، مشيرة إلى أنه لا يمكن استخدام طبقة أكريليك في اللوحة الفنية على طبقة الألوان الزيتية، إلا أنه بالإمكان استخدام الألوان الزيتية على الأكريليك.
الوسيلة الأكثر ملاءمة مع شخصيتها
لذلك، فإن كنعان وجدت في الفنان التشكيلي الوسيلة الأكثر ملاءمة مع شخصيتها، لأنها تعشق هذا الفن الذي سحرها بجماله وبعوالمه الممتعة، كونه منحها السعادة، وبخاصة عندما تكون في مرسمها الذي استحدثته داخل منزلها، بحسبها: “عندما أكون أمام اللوحة تعطيني انطباع بأنني أمام شيء أحبه بلا نهاية، لأنني أشكل في اللوحة قصة من أفكاري المتنوعة في الحياة”.
رسالتها من الفن
وفي نهاية حديثها أكدت التشكيلية كنعان، أهمية ما تحمله الفنون التشكيلية من رسالة عميقة مؤثرة في كل المجتمعات، لأن الفن التشكيلي ناقل للحضارات الإنسانية، وعليه يجب على الجهات ذات العلاقة المساهمة الفعلية برفع سوية الفنون التشكيلية في الأردن، وإقامة المزارات التي تعنى بالإبداع والمبدع في هذا البلد.
“الغد – أحمد الشوابكة”