يحاول بعضهم الربط بين نموّ ظاهرة الشيكات المرتجعة والسيولة الموجودة في الجهاز المصرفي، لدرجة ان بعضهم، وفي إطار حملة ضغط على البنوك، يقول ان تزايد الشيكات المرتجعة سببه نقص السيولة.
هذا الادعاء لا يوجد له أيّة صلة او رابط اقتصاديّ لا من قريب ولا من بعيد.
فمتلقي الشيك يذهب به إلى البنك ليصرفه، ويتفاجأ بان الشيك ليس له رصيد في حساب مقدم الشيك، فيتم رد الشيك، وهذا الأمر ليس له علاقة بالسيولة في الجهاز المصرفي أبداً، فهو يرد لعدم كفاية رصيد مقدم الشيك وليس بسبب عدم وجود سيولة في البنك وهذا فرق كبير، فالبنوك تتبع الإجراءات القانونيّة والمصرفيّة في صرف الشيكات ولا تأخذ عليها مخصصات في حال رد الشيك.
اخر أرقام الشيكات المرتجعة تظهر نموّاً سلبيّاً في أحجامها، وبقراءة سريعة فقد بلغت قيمة الشيكات المقدمة للتقاص اي المتداولة في البنوك للصرف حتى نهاية آب (اغسطس) الماضي 22 مليار دينار، وبلغت قيمة الشيكات المعادة منها لعدم كفاية الرصيد 970 مليون دينار أي بنسبة 5 %، وبلغت الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد اكثر من مليار دينار وبنسبة زيادة عن العام الماضي ولنفس الفترة بواقع 36.8 %.
نموّ الشيكات المرتجعة لعدم كفاية الرصيد له أسبابه المختلفة، ليس لمسألة السيولة كما يروجها بعضهم أيّة علاقة، فالاموال التي يتم تداولها من خلال الشيكات هي أموال أصحابها سواءً من أموالهم او من التسهيلات التي يحصلوا عليها من البنوك لتمويل نشاطاتهم ولكن هذا ليس له علاقة بالسيولة المتاحة في الجهاز المصرفي، وما يتم تداوله أحيانا بأن الشيكات المعادة زادت قيمتها فإن البنوك تواجه نقص سيولة هذا كلام غير صحيح ولا يمت للواقع بأي صلة، فالشيك عند تقديمه للصرف / للتقاص يتم صرفه من حساب العميل في البنك وليس من مال البنك وكما تعلمون فإن الأموال المودعة في البنوك تصل إلى 36 مليار دينار والنقد المعرض يصل الى 6 مليارات دينار والاحتياطي من العملة الاجنبية تجاوز 14 مليار دولار ، وايضا هناك قروض ممنوحة تقارب 28 مليار دينار وايضا هذه غير مرتبطة في بعضها فالمال المودع ملك صاحبه والقرض الممنوح التزام على المقترض ومسؤولية البنك بتحصيله، علما أن السيولة المتاحة اليوم في البنوك وحسب آخر تصريح من البنك المركزي تقارب 3 مليارات أردني وهذه هي السيولة التي تخص البنوك والتي تدخل ضمن ممارسة أعمالها ولكن ليس هذا فقط فأي قرض يسدد تزيد به السيولة وأي مبلغ يودع في البنك يزيد السيولة وهكذا ولكن أموال المودعين البالغة 36 مليار دينار هذه ملك اصحابها وهي تدخل في حياتهم وتجارتهم ومصاريفهم وايضا القروض الممنوحة من البنوك هي سيولة لدى العملاء لتسيير نشاطاتهم الاقتصاديّة سواء على مستوى المؤسسات أو الافراد.
نعم ظاهرة نموّ الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد مقلقة للغاية، لكنها في النهاية هي ترجمة لعلاقة بين طرفي الشيك وهما المقدم والمتلقي وليس للبنك أيّة علاقة سوى انه طرف خدمي والسيولة والاموال التي يتحتم ان تغطي قيمة الشيكات هي ملك اصحابها فإذا كان له رصيد صرف الشيك وبغير ذلك تتم اعادته من البنك.
تزايد الشيكات المرتبطة لها ارتباط بالدورة الاقتصاديّة في مرحلة تراجعها، حيث ان أطراف العلاقة التجاريّة تأثروا بها، فالبائع انخفضت مبيعاته والمشتري تزايدت التزاماته لضعف الأسواق وآثار جائحة كورونا ترسم معالمها بشكل سلبيّ وواضح بهذا الجانب، يضاف له سوء الادارة وعدم التقييم السليم للمخاطر وعدم وجود خطط طوارىء لدى العديد من القطاعات الاقتصاديّة مما يخلق تحديات كبيرة على جميع الأطراف، فضعف القوة الشرائية يعتبر السبب الأهم في هذه المعادلة كون الاردن يعتمد بالدرجة الأولى على الاستهلاك والقطاعات غير المنظمة تعتمد على قوتها اليومي وأي تعطل يخلق فجوة ماليّة وتتراكم مع ازدياد التعطل وضعف الأسواق والأهم أن أسلوب المستهلك تغير فأصبح التركيز على الأساسيات بالدرجة الأولى.