المئات وربما أكثر من الزعران والبلطجية سيتم القبض عليهم في الحملة الشرسة التي تشنها قوات الأمن حاليا. وزير الداخلية اللواء توفيق الحلالمة كان حاسما في تصريحاته عندما أكد عدم الإفراج عنهم إلا بأمر شخصي منه.
الأردنيون في مختلف المحافظات رحّبوا بالخطوة الأمنية، فهم ينشدون الخلاص من كابوس فارضي الإتاوات.
وثائقي لقناة المملكة “ضريبة الخوف” كشف وبشهادة أهل الصنعة أن البلطجة تحولت لمهنة في الأردن يعمل فيها الآلاف من الأشخاص؛ مشغلون وعاملون تحت إمرتهم، وباعة على البسطات يعملون بالباطن لحسابهم.
مجلس الوزراء ساند الحملة الأمنية بكل قوة، وقرر الشروع فورا بتعديل التشريعات لتغليظ العقوبات وسدّ الثغرات التي ينفذ منها الزعران، لكن إلى ذلك الحين كيف نتدبر أمر المئات من الموقوفين استنادا لقانون منع الجرائم؟
هل يمكن إبقاؤهم في السجون لمدد مفتوحة، أم أن الرهان على كسر شوكتهم ومن ثم إطلاق سراحهم بعد تقديم تعهدات بغرامات مالية ثقيلة في حال ارتكبوا جريمة البلطجة من جديد؟
نحن أمام قطاع متكامل نشأ وتطور على مدار السنين، وقد شهدنا في سنوات ماضية حملات أمنية مماثلة بعد جرائم مروّعة، وشكاوى متزايدة من ضحايا فارضي الأتوات، لكن بعد أشهر قليلة سرعان ما ينتظم العمل من جديد، ويعود البلطجية إلى سابق عهدهم.
ساهمت عوامل كثيرة في ازدهار هذا القطاع، من أبرزها الظروف الاقتصادية والبطالة المتزايدة، وعوامل أخرى لا تقل أهمية، كالشعور الدائم عند المجرمين بوجود فرصة للإفلات من العقاب، والخروج بكفالة، وتهديد المشتكي ودفعه للتنازل عن شكواه.
في الآونة الأخيرة استفاد البلطجية من العفو العام الذي صدر العام الماضي، بعد تعديلات النواب على بنوده وتوسيع دائرة المشمولين لتطال تجار مخدرات وبلطجية وسواهم من المجرمين. كما خرج المئات من السجون في فترة أزمة كورونا بعدما اتخذت السلطات قرارا بتخفيف الاكتظاظ في السجون للحد من انتشار الفيروس.
وعلى مدار سنوات طويلة توسعت شبكة من البلطجية والزعران، ونسجت علاقات متينة مع متنفذين في العمل العام ودوائر رسمية وخاصة، وصار لهؤلاء كما في بلدان كثيرة رعاة وداعمون يتدخلون في الأوقات الحرجة لإنقاذ المتورطين في الجرائم وتوفير الحماية لهم.
اجتثاث الظاهرة من المجتمع أمر مستبعد تماما، لكن يمكن بخطة محكمة تقليص نفوذهم وحضورهم لأقل مستوى ممكن، وهذا يتطلب تفكيك شبكة المصالح المترابطة بين البلطجية والرعاة، ووضع تشريع قانوني يضمن تحرك السلطات ضدهم دون تقديم شكوى من مواطن، وتكثيف جهود التقصي الاستخباري لملاحقتهم في الشوارع، وإلا كيف يتحول مجرم وفارض إتاوات، إلى شخصية نافذة تجوب الشارع بسيارة فاخرة، وتستعرض بلطجتها على الغلابى، وتصاحب شخصيات عامة، ولا تعرف قوات الأمن عنهم؟!
تفكيك الشبكات الإجرامية الراسخة كفارضي الإتاوات والزعران والبلطجية يتطلب خطة زمنية وبرنامجا تنفيذيا لخفض التهديد إلى أدنى معدلاته، وإجراء تعديلات على التشريعات، وكذلك التعليمات التي تحكم ترخيص البسطات، وإخضاعها للرقابة الصارمة كي لا تصبح قنوات تصب في جيوب هذه الشبكات.
لا نعلم إلى متى تستطيع الأجهزة الأمنية الاحتفاظ بالبلطجية في سجونها؛ تطعم وتنفق عليهم، بينما هم يستعدون للعودة إلى الشارع حال خروجهم من السجن، وربما يكون صغار العاملين لديهم يمارسون النشاط نيابة عنهم في الميدان.
نحتاج لحلول جذرية، وهذا يتطلب مقاربة أوسع وأكثر شمولا للقضاء على الظاهرة وكسر شوكة البلطجية.