صدى الشعب – كتب محمد داودية
ارتبط اسم زيد الرفاعي، ارتباطًا وثيقًا بالملك الحسين وبالأردن: سياسييه، ونخبه، وقياداته، وشيوخه، وبرلمانييه، فقد كان ذا قدرة مدهشة ملموسة على الاستقطاب، جعلته نجمًا، لم يفقد اشعاعه حتى في أيام محاولات إطفاء الأضواء والتعتيم عليه !!
ساعده على التقدم في مرتقيات الحكم والدولة، انه لم يظل متأرجحا، فقد حسم مبكرًا، إنحيازه المطلق الى الهاشميين وايمانه بمشروعهم الوحدوي، رغم ان المنطقة كانت مستباحة من مختلف الاحزاب السياسية التابعة لقوي خارجية.
وتمكن ابن الطريقة الصوفية الرفاعية، الممتدة إلى الأجداد والأسياد، من بناء طريقته ونهجه، التي من مميزاتها الجرأة في اتخاذ القرار، والدفاع عنه والدفاع حتى عن حوارييه، الذين لم يتبقَ منهم الكثير، عندما دارت عليه الدوائر !!
وفي كل الحالات، وإقرارًا بالاجتهادات الطبيعية المختلفة بين نخبنا وسياسيينا، فقد كان أبو سمير ذا لون واضح مستقر ثابت مواجِهٍ.
ومن الطبيعي، أن تنتقل جيناته ومزاياه، إلى نجله اللامع دولة سمير زيد الرفاعي. فقد نشأ في ظلال أكثر المظلات السياسية والثقافية والدبلوماسية، رحابة ووضوحًا ومضاءًا وضياءًا !!
ظل زيد الرفاعي يقول كلمته الشجاعة دون بحث عن شعبية أو شعبوية، وكان ماهرًا في السباحة ضد التيار، وماهرًا في النجاة وإبقاء رأسه فوق الماء !!
ولم يكن يلتفت إلى ما يطلق خلفه، وإلى من يطلقون خلفه، أية أحكام او آراء او اتهامات او لقلقات !!
وحين اطلقنا عليه لقب كيسنجر الأردن، لدهائه وقدراته ورحابته وعلاقاته الدولية، لم نكن منصفين، فقد كانت حوزته وحيزه، أضيق من أن يتيحا لكل مواهبه وإمكاناته أن تتفجر وأن تأخذ مداها وان تبرز بما فيها من قدرات جمة !
ظل على يمين الحسين والعرش، في السراء والضراء، مقاتلًا مصادمًا واقعيًا دمثًا، ولما أحال الملك الحسين عليه أثقل المهمات السرية، وأكثرها خطورة، حملها بمسؤولية عالية وأداها بمسؤولية عالية، فتعرض إلى محاولات اغتيال، لم نذكر انه أشار إليها في اي حديث سمعناه منه، لم يتاجر بها، ولم يشحد عليها، ولم يدّع البطولات، كما فعل غيره ممن اختلق قصص استهدافه !!
وتخلق زيد الرفاعي بأخلاق الملك الحسين، الذي زامله في الدراسة، وخاصة في كلية فكتوريا، وكان كاتم أسراره الأمين، وجنديه المنذور لخدمته.
ترفع الرفاعي عن الخصومات كلها، من استهدفه بالرصاص أو باغتيال السمعة والشخصية، فظل متسامحًا، وكان أكبر من خصومه مهما كبروا !!
عندما جرت محاولات سحب النخب عنه، كان يطلب من مستضيفه، على عشاء أو غداء، أن يدعو محمد وسمير، والمقصود محمد داودية وسمير حباشنة.
وعندما أصبحنا نائبين، سمير وأنا، أعوام 1993-1997، كان دولة أبو سمير رئيسًا لمجلس الأعيان، مما جعلنا نواظب على زيارته في مكتبه بمبنى مجلس الأمة، الذي كان مشتركًا بين الأعيان والنواب.
ولما أصبحتُ وزيرًا للتنمية السياسية ووزيرًا للشؤون البرلمانية، في حكومة دولة فيصل الفايز 2003-2004، كان أول اتصال لي، بصفتي المنسق بين الحكومة ومجلس الأمة، مع رئيس مجلس الأمة دولة زيد الرفاعي !!
لم يوافق على خطة التنمية السياسية التي حملتُ أثقالها، فسألته أن كان الموقف مستمد من “تشخيص مصلحة النظام”، فهز رأسه موافقا، فاطلقت عليه لقب رئيس الحوزة النجفية الشيعية، آية الله السستاني !!
رحل أبو سمير، يرحمه الله ويحسن إليه، وترك إرثًا هائلًا، من حقنا والأجيال القادمة ان تطلع عليه، وهو الذي يحمل الكثير من إنصاف الأردن، وإنصاف الملك الحسين، وإنصاف الملك المؤسس عبد الله الأول إبن الحسين طيب الله ثراهم.
(مقالتي في الدستور يوم الأحد)