انشغلت وسائل الإعلام المختلفة وصفحات التواصل الاجتماعي بأمر الدفاع رقم 5 الذي أصدره رئيس الوزراء قبل يومين، باعتباره قرارا جديدا ويحمل مضامين مختلفة.
البعض يراه قرارا رئاسيا يحد من شراء السيارات الجديدة لأي مسؤول، وآخرون فسروه بأنه يأتي لضبط السلوك الإنفاقي المتزايد للوزارات المختلفة والمؤسسات المستقلة، وتفسير آخر باتجاه الحد من التعيينات بشكل واضح وقطع الطريق على أي جهة كانت خاصة النوّاب.
الحقيقة ان أمر الدفاع 5، وهو إجراء روتيني لا اكثر ولا يحمل في طياته أي تفسير من التفسيرات السابقة فقانون الموازنة العامة يمرّ وفق القانون بمراحل ثلاث، الأولى تتعلق ببلاغ رئيس الوزراء الخاص بالموازنة، الذي عادة ما يصدر في شهر أيلول، والذي يطلب فيه من الوزارات والمؤسسات إعداد المسودات الأولية لمشروع القانون، والثانية تتعلق بإقرار الموازنة من قبل مجلس الأمة حسب الدستور، والثالثة هي التي تتعلق ببلاغ رئيس الوزراء التنفيذي لقانون الموازنة والوحدات المستقلة، والذي هو فعليّاً ما صدر مؤخراً بموجب أمر الدفاع رقم 5 لا اكثر.
اهتمام وسائل الإعلام غير العادي بأمر الدفاع رقم 5 هو لاعتقادهم انه يمنع المسؤول من التطاول على المال العام من خلال إلزامه بالتقيد بسقوف الانفاقات المخصصة لوزارته أو مؤسسته، وان امر الدفاع سيجعلهم أي المسؤولين تحت طائلة المسؤولية القانونية في حال تجاوزهم لذلك.
لكن الأمر ليس كذلك تماما بهذا الشكل الحرفي، فأمر الدفاع هو بلاغ تقليدي، يعيد التكرار للمسؤولين على مختلف درجاتهم القيادية بعدم تجاوز النفقات المخصصة لهم في قانون الموازنة، والأصل ان هذا البلاغ هو تحصيل حاصل، لأن الأساس هو الالتزام الكامل من الحكومة ببنود الإنفاق المدرجة في الموازنة، لأن الأخيرة هي قانون مثلها مثل أي قانون واجب التطبيق ولا يجوز بأي شكل من الأشكال مخالفته، لكن مع كل اسف وكما قلنا سابقا، ان اكبر تحد يواجه قانون الموازنة العامة للدولة رغم كُلّ التشوهات والسلبيات التي بها هو التقيد بتنفيذ بنودها واحترام قدسية قانونها.
عدم الالتزام ببنود الاتفاق للموازنة يعني الخروج عن الأهداف الكُلّية لها وعدم تحقيق فرضياتها، مما يؤدي حتما إلى ارتفاع عجز الموازنة وبالتالي المديونية، وهذا ما يحدث في غالبية الأعوام.
مسؤولية تنفيذ قانون الموازنة هي الحكومة، لكن مسؤولية رقابتها والتأكد من سلامة التنفيذ هي على عاتق مجلس النوّاب وتحديدا لجنته المالية التي من المفترض ان تجتمع دوريّاً لتقييم السلوك المالي التنفيذي الحكومي، وعدم ترك الأمر حتى نهاية العام، حينها تكون الفأس وقعت في الرأس، ولا ينفع النقاش ولا الصراخ، لأن الجميع وقتها مطالب بتوفير مخصصات ماليّة جديدة لسد العجز الإضافي الجديد الذي عادة ما يكون إما بالاقتراض أو من خلال فرض رسوم وضرائب جديدة.