صدى الشعب – كتب د.تهاني رفعت بشارات
إلى تلك المرأة التي تُنبتُ الحبَّ في صُلب المعاناة، التي تعلّمُ رغم القيد، وتُربّي رغم الغياب، وتضحي رغم الفقد، أيتها الفلسطينية النبيلة، أيتها الجبالُ الراسخةُ في وجه الريح، لكِ السلامُ، ولكِ المجدُ، ولكِ الدعاءُ الممتدُّ بحجم السماء.
إلى كل أمٍّ أُضرمت في قلبها نارُ الفقد، إلى من نظرت إلى سريرِ ولدها ولم تجده، إلى من كانت تستيقظُ على صوته فإذا بالغياب قد احتلَّ المكان، إلى من حملت الكفنَ بيديها واحتضنت الثرى بدلاً من صدرها، صبَّر الله قلبكِ وجبر كسرَ روحكِ، فمن سِواكِ يحتملُ هذا الوجع؟ ومن غيركِ يصمدُ أمام هذا الحزن؟ أنتِ الأملُ الذي لا يُطفئه الموت، وأنتِ الحُبُّ الذي لا تقتلهُ المسافاتُ، وأنتِ العزاءُ الممتدُّ إلى السماء.
إلى كلِّ من فقدَ أمَّه، إلى من صارَ الوجودُ بعد رحيلها رماداً، إلى من أضحى الليلُ في عينيهِ مُظلماً وإن أضاءت الدنيا بألفِ قنديل، إلى من يُفتّشُ في تفاصيل الحياة عن ظلٍّ لها فلا يجد، صبرَ الله قلبكَ، ورزقكَ من الدعواتِ ما يكونُ لها نوراً في قبرها، فإنَّ الأمهاتِ لا يرحلنَ أبداً، بل يُقيمْنَ في أرواحنا، يَسكُنَّ نبضاتِنا، ويُضيئنَ عتماتِنا بالدعواتِ التي كنَّ يهمسنَ بها لنا عند المساء.
حافظوا على أمهاتكم، فهنَّ نبعُ الحنانِ، ورمزُ الأمان، ووصيةُ الرحمنِ في كتابهِ العظيم…
إلى كل أمٍّ، إلى كل امرأةٍ نذرتْ نفسها لتكونَ شمساً تُضيءُ دربَ أبنائها، إلى من سهرت، إلى من تعبت، إلى من زرعتْ الحبَّ في دروبنا حتى أينعنا، كل عامٍ وأنتِ الحياة، كل عامٍ وأنتِ الخيرُ كلّه، كل عامٍ وأنتِ الكنزُ الذي لا يُعوّض، والأمانُ الذي لا يُقدَّرُ بثمن.
أماهُ… يا سيدةَ القلبِ، ونبضَ الروحِ، ورمزَ الأمانِ، دمتِ لي نعمةً، يا كلَّ حياتي، يا دعائي المستجاب، يا نورَ دربي، يا من بعينيكِ أرى الحياة أجمل، بارك الله فيكِ، وفي صحتكِ، وأعطاكِ الله سعادةً لا تنتهي، وأكرمكِ بكرمٍ يتعجبُ لهُ أهلُ الأرضِ وأهلُ السماء.
إلى كل أمٍّ، أنتِ الحياة، فأنتِ نصفُ المجتمع، وتُربينَ المجتمعَ كلَّهُ، وفي يومِكِ هذا، لن أقولَ عيدُ الأم، لأنَّ كلَّ أيامكِ أعياد، كل يومٍ يُشرقُ وأنتِ فيهِ هو عيد، وكل لحظةٍ تمرُّ وأنتِ بخيرٍ هي فرحةٌ تُزيّنُ العمرَ بأجملِ الألوان.
إلى أمّي، إلى نبضِ قلبي، وسرِّ حياتي، وبركةِ نجاحاتي، إلى “أم حسام”، أنتِ روحي، وعمري، وسرُّ طاقتي، ونجاحي، ونجاتي، أنتِ دعائي المُعلّقُ بين الأرضِ والسماء، أنتِ السندُ الذي لا يميل، والصوتُ الذي لا يغيب، والنبضُ الذي لا يتوقف، رضاكِ يا أمي، ودعواتكِ، هما حياتي، وسرُّ سعادتي، فأسألُ الله أن يرزقكِ سعادةً لا تنتهي، وصحةً من عند الرحمن، يا وصيةَ الرحمنِ، ويا وصيةَ نبيِّنا الكريم، أمي… يا سيدةَ القلب.
إلى كل امرأة، إلى كل أمٍّ، أنتِ رائعةٌ، أنتِ مُجاهدةٌ بطريقتكِ، إلى كل نساءِ الكون، الأمومةُ لا تعني أن تُنجبي فقط، بل أن تُربي، أن تُعطي، أن تكوني نوراً في حياةِ غيركِ، فكلُّ معلمةٍ أمٌّ، وكلُّ امرأةٍ تعطفُ على طفلٍ أمٌّ، وكلُّ من احتضنَ يتيماً، وربّى صغيراً، وأشعلَ شمعةً في دربِ غيره، هو أمٌّ بقلبهِ، فالأمومةُ ليست لقباً، بل رسالةٌ يُتقنُها أصحابُ القلوبِ النقيّة.
الحمدُ لله على نعمةِ الأمومة، والحمدُ لله على نعمةِ الأمهات، وإلى كل نساءِ الأرض، كل عامٍ وأنتنَّ بخير، يا كلَّ الخير، وإلى كلِّ امرأةٍ فلسطينية، كل عامٍ وأنتِ نبعُ الحنان، ورمزُ الأمان، وصوتُ الصبرِ الذي لا ينكسر.
أكبرُ إنجازٍ لي… أنني أحببتُ أمي فوقَ التصورات…
هجرني ألفُ صديق، وبقيت أمي صديقتي الأبدية،
عشتُ صراعاتٍ أزليةً مع ذاتي،
تعرّضتُ للخداع،
تلقيتُ صدماتٍ كثيرة،
صُعِقتُ ونهضتُ بكاملِ قواي،
تلقّيتُ خيباتٍ كثيرة، لكنني عدتُ أقوى مما كنت، والفضلُ لله، ثم لأمي،
أحبكِ أمي… يا “أم حسام”، يا جنتي في الدنيا، يا عمري وعمودُ حياتي، يا من جعلتِ الحياةَ رغمَ قسوتها أحنَّ من كلِّ شيء، دمتِ لي روحاً لا تموت، وحبًّا لا يبهت، ونورًا لا ينطفئ…