في الأردن لا يختلف اثنان على أهمية إحداث إصلاحات سياسية واسعة تعمق حالة الاستقرار وتطور العلاقة بين الدولة والناس وتهيئ البيئة للعمل والاستثمار والنهضة السياسية. المشكلة أنه لا أحد مستعد للخروج من دائرة الرتوش والإصلاحات التجميلية. الأردن قام بعشرات المحاولات لإجراء تعديلات وتغييرات على شكل القوانين ومسميات النظم دون أن يحقق التوافق المنشود أو يرضي الغالبية التي يتزايد قلقها على الحاضر وخوفها من المستقبل.
حالة فقدان الثقة واللامبالاة التي يعيشها البعض وتدني اهتمامهم بالشأن العام واستمراء النقد والتشكيك ظواهر مزعجة تحتاج البلاد للتخلص منها ووضع حد لها بطرق غير الشيطنة والاتهام. مل الناس حالة المزايدة وتقسيم المجتمع الى خصوم واتباع فالوطن للجميع والكل معني بتقدمه ورفعته واستقراره. بات واضحا أن على الجميع التفكير بطرق مختلفة واتباع أساليب جدية لإحداث التغيير المرغوب الذي يحفظ الأمن والاستقرار ويأخذ النظام والمجتمع نحو آفاق جديدة تبتعد قليلا عن دعوات الاستحقاق والمطالبات باتجاه الحقوق المدنية والنشاط المجتمعي والمسؤولية المشتركة.
من الصعب أن يأتي أحدنا على موضوع الإصلاح السياسي أو التفكير فيه دون التعرض الى قوانين وأنظمة الانتخاب وطرح الأسئلة المتعلقة بقدرتها على تنظيم العملية الانتخابية وتمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم في الترشح والاقتراع بسلاسة ويسر وإتاحة الفرص المتساوية للجميع في الوصول والاستمتاع بحقوقهم كمشاركين في صناعة القرار من خلال ممثلين “نواب” يجري اختيارهم بنزاهة وشفافية وموضوعية.
قوانين وأنظمة الانتخاب تشريعات للتمكين يضعها المشرع من أجل تنظيم حصول المواطن على حقه الدستوري في الانتخاب لمن يرى أنه الأقدر على حمل فكره ومصالحه واهتماماته والتعبير عنها في التشريعات والسياسات التي تضعها الدولة. في معظم أرجاء العالم توضع القوانين لتنظيم هذا الحق ولكي يحصل المواطنون على فرص متساوية في الترشح والاقتراع.
لتؤدي هذه القوانين والتشريعات غاياتها، ينبغي أن تكون منطقية وواضحة وعادلة وأن لا تميز بين الأفراد والجماعات أو المناطق والعرقيات. كما أن من الضروري التزامها بنصوص وروح الدستور وتجنب الترتيبات الخاصة التي قد تخلق أوضاعا تحد من فرص جماعة أو تميز ضد جماعات أخرى.
الأردن أمعن التجريب لمعظم الأنظمة والوصفات الانتخابية، هناك حاجة لقانون جديد بسيط وواضح وعادل. من المهم التفكير بتخليص القانون الجديد من الإرث السابق وربطه بمجموعة من المعايير القابلة للقياس والمراجعة والتدقيق، وبهذا السياق فإني أقترح ما يلي:
أولا : وقف العمل بالكوتات والترتيبات الخاصة باعتبارها مجافية للدستور ورفع قيود الترشح لغير أبناء العشائر البدوية في بعض المناطق وإتاحة فرص الترشح والانتخاب للجميع في الدوائر الانتخابية التي يعيشون داخلها بصرف النظر عن العرق أو الدين أو الجنس ويعامل كل فرد كمواطن أردني له ما للآخرين من حقوق وعليه ما عليهم.
ثانيا: اعتماد معايير الوحدات الإدارية وأعداد السكان في تحديد الوحدات الإدارية وأعداد المقاعد لكل وحدة وعلى أسس ثابتة وقابلة للقياس والتعديل.
ثالثا: تخصيص مقعد نيابي لكل محافظة على أساس الأرض وبواقع 12 مقعدا.
رابعا: تخصيص مقعد لكل متصرفية وعددها 48 متصرفية، مع ضرورة الإشارة الى أهمية إيجاد لواءين إضافيين في جرش التي تخلو حاليا من أي ألوية باستثناء القصبة. فتصبح 50 مقعدا موزعة على متصرفيات المملكة.
خامسا: توزيع المقاعد ال60 المتبقية على متصرفيات المملكة بإعطاء مقعد للوحدة الإدارية عن كل 100 ألف نسمة من سكانها. مثال، يمكن للرمثا أن تحصل على مقعد كونها متصرفية… ومقعد آخر كون سكانها يتجاوزون ال100 ألف نسمة.
سادسا: يجري حصر التصويت والاقتراع للجميع في الوحدات الإدارية التي يسكنونها فيمكن للمنطقة أن تفرز أنسب وأفضل أبنائها بغض النظر عن العرق أو الإقليم أو الطائفة.
سابعا: يكون عدد مقاعد المجلس 120 مقعدا يخصص 60 منها على أسس التقسيمات الإدارية و60 على أساس الكثافة السكانية.
باتباع مثل هذه المعادلة، يمكن الخروج من مأزق التباين في أعداد المقاعد المخصصة للمناطق وإخضاعها لقواعد واضحة وشفافة.
فيما يخص الانتخاب، لا بد من إجراء انتخابات أولية للحد من أعداد المتنافسين باعتبار ذلك يشتت الأصوات ويحرم المجتمعات من مناقشة قضاياها واختيار الأشخاص الأفضل والأنسب للخدمة بدلا من تدخل عوامل النفوذ والتأثير والمال السياسي.