تعيش عمان نشاطا سياسيا لافتا يتمثل باللقاءات الملكية سواء كانت خارج الأردن أو في داخله، وهي بلا شك مرتبطة بالتغيرات التي أحدثتها نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة، وانتهاء عهد ترامب الكارثي، وهذا يتزامن مع تحركات أردنية في دول المحيط.
الأردنيون لم يحدث أن توجسوا خيفة على السياسة الخارجية للمملكة، كونها ترتبط بشكل مباشر بالملك، وهي السياسة التي كانت دائما متوازنة ولا تحتسب إلا مصلحة الأردن أولا وأخيرا، ودوره المحوري الذي لعبه منذ تأسيسه.
بعد أربع سنوات عجاف من الإدارة المتخبطة للرئيس الأميركي ترامب لجميع ملفات المنطقة، والتأثير بشكل سلبي على توازن القوى فيها، إلا أنه لم يتمكن من التأثير فعليا على الدور الذي يمكن أن يلعبه الأردن في جميع الملفات الحساسة للمنطقة، وعلى رأسها ملف القضية الفلسطينية بكامله، لذلك نشهد اليوم إعادة الاعتبار لهذا الدور، ولأهميته الجيوسياسية، وأيضا الأردن كدولة طالما تميزت إدارتها بالحكمة والاستقرار في منطقة مشتعلة على الدوام.
إذن، هذا الدور لا يخشى الأردنيون عليه، ولكن إن كنا نريد الحديث بصراحة فيتوجب علينا أن ننظر بتوجس إلى الملفات المطروحة في الداخل الأردني، وعلى رأسها الملف الاقتصادي بجميع جوانبه، خصوصا معدلات النمو والفقر والبطالة، فهي الملفات التي عجزت جميع الحكومات السابقة عن أن تحدث فيها أي تغيير يفتح كوة الأمل لتعاف حقيقي.
في هذه الملفات ينبغي أن تبذل حكومة الدكتور بشر الخصاونة جميع جهودها من أجل أن تمنح الأردنيين الأمل بأننا لن نبقى غارقين فيها، وأن ما أحدثه العقد الأخير منذ انطلاق ما عرف بـ”الربيع العربي” إلى اليوم من تأثيرات اقتصادية واجتماعية هائلة هو وضع مؤقت ولا ينبغي أن نظل نعاني منه إلى ما لا نهاية.
خلال الأيام المقبلة سوف تقدم الحكومة لجلالة الملك برنامجها التنفيذي، وهو البرنامج الذي سيعد بمثابة خريطة طريق لعملها في مختلف الملفات. ومن هنا تكمن أهمية أن لا تأتي رؤيتها كما سابقتها مغرقة بالمبالغة والرومانسية، بل أن تنطلق من الواقع والأولويات التي يحتاجها المواطن لكي يشعر ببعض الفرق.
نعلم أن السنة الحالية ستكون، أيضا، صعبة على الاقتصادات العالمية جميعها، فهي لن تكون سنة التعافي من جائحة كورونا، بحسب خبراء الصحة والاقتصاد، لكن ما نتحدث عنه اليوم هو الواقعية المطلوبة من الحكومة لكي تضع إستراتيجيات قابلة للتطبيق للتخفيف من الآثار التراكمية، سواء التي دفعها الأردن نتيجة موقعه الجغرافي في منطقة غير مستقرة، أو ما ترافق مع الجائحة وتبعاتها الاقتصادية.
المراقبون انتقدوا إلزام الحكومة نفسها بـ157 التزاما أمام مجلس النواب، وهو ما رأوا فيه مبالغة كبيرة تفوق قدرتها على التنفيذ، وأيضا فإن كثرة هذه الملفات تربك الحركة، رغم أننا متفقون على أهميتها.
هذه الالتزامات تجعلنا نتقدم إلى الحكومة بنصيحة، وهي ألا تأتي خطتها التنفيذية بمثل هذه “المبالغة والتعقيد”، والذي سينعكس ارتباكا على خطواتها في التنفيذ، ما يجعلها أقرب إلى التعثر منه إلى النجاح.
نريد طرحا واقعيا للملفات المهمة التي حددناها سابقا: نمو، فقر، وبطالة، وأن نحمي الفئات الأكثر تهميشا. إن استطعنا تحقيق اختراقات، ولو بسيطة، في هذه الملفات، سنكون عندها قد حققنا نجاحات لم تصل إليها جميع الحكومات السابقة، وسنكون بذلك نلنا ثقة المواطن، وجسرنا الفجوة مع الشارع التي اتسعت كثيرا خلال العقد الأخير، والأهم هو أننا سنكون قد مهدنا الطريق لسياسة خارجية أكثر رسوخا وثباتا وتأثيرا.