صدى الشعب – كتبت د.تهاني رفعت بشارات
إن للكلمة سلطانًا على الأرواح، فهي سلاح ذو حدين؛ إما أن تقتل أو تحيي. الكلمة السيئة تسري في النفس كالسهم المسموم، تصيب القلب بالحزن، وتزرع فيه طاقة سلبية تثقل الروح. أما الكلمة الطيبة، فهي كالبلسم يشفي الجراح، ودواء لكل ألم وحسرة، تبعث في النفس راحة، وفي القلب سكينة. ما أجمل أن نكون من أهل جبر الخواطر، وأن نترك في قلوب الآخرين أثرًا طيبًا لا يمحوه الزمن. فالإنسان إنما هو أثر، وحياته تقاس بما يتركه من بصمات جميلة تعيش بعد رحيله.
إن الدين الإسلامي لم يكن يومًا مجرد طقوس تؤدى، بل هو معاملة وسلوك، أساسه الكلمة الطيبة والفعل الحسن. وقد كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أعظم مثالٍ في ذلك، حيث عُرف بصدقه وأمانته وحُسن تعامله، حتى مع أعدائه. بالكلمة الطيبة، فتح قلوب الناس، ودخلت الرحمة إلى نفوسهم. فما أجمل أن نقتدي به، ونحيا على نهجه، نبني مجتمعًا أساسه الحب والاحترام، وننشر فيه السلام.
ولكن، ما يؤسف له أن بعض الناس اليوم قد استسلموا لآفة الكلمة السيئة، فصاروا ينشرون الأكاذيب ويزرعون الفتن، فيقتلون المجتمع بصمت، ويسممونه بالحقد والكراهية. إن مثل هؤلاء كمن يحمل معولًا ويهدم بيته بيده. فلنبتعد عن هذه السلوكيات المدمرة، ولنتقِ الله في كلامنا، ولنجعل من ألسنتنا مفاتيح للجنة، لا معاول للهدم.
إن الفتن التي يزرعها البعض بسبب نقل الكلام الكاذب أو المُحرّف، تؤدي إلى تمزيق الأواصر الاجتماعية، وتفتح أبواب الصراعات والخلافات. فقد تكون كلمة واحدة سببًا في دمار أسر، وتفكيك صداقات، بل وحتى إشعال الحروب. إن التاريخ مليء بالشواهد التي تظهر كيف أن الفتن أدت إلى انهيار أمم بأكملها، وحوّلت مجتمعات مزدهرة إلى ركام. إن مثل هذه التصرفات لا تأتي إلا من نفوس ضعيفة، تتجاهل عواقب أفعالها، وتغفل عن عقاب الله الشديد للفساد في الأرض.
ولعل أعظم صور الفتن تكمن في نشر الأكاذيب عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي، حيث تنتقل الكلمة السيئة بسرعة الضوء، وتصيب عقول الناس وقلوبهم كالنار في الهشيم. إن مسؤولية كل فرد اليوم مضاعفة، أن يتحرى الصدق في نقله للكلام، وأن يكف لسانه عن كل ما يثير البلبلة ويؤجج الكراهية. فلنكن دعاة خير، نزرع المحبة بكلماتنا، ونتجنب نقل ما يسيء أو يضر، فنحن مسؤولون عن كل كلمة نقولها أمام الله وأمام المجتمع.
الكلمة الطيبة ليست مجرد لفظ، بل هي عبادة وقربة إلى الله. بها نرتقي، وبها نبني مجتمعًا قويًا متماسكًا، يملؤه الحب والاحترام. فلنجعل كلماتنا نورًا ينير درب الآخرين، وسلامًا يبث الطمأنينة في قلوبهم، ولنتذكر دائمًا أن ما يبقى من الإنسان بعد رحيله هو أثره الطيب، فلا شيء أخلد من أثر الكلمة الصالحة.