صدى الشعب – ليندا المواجدة
حذّر الخبير الاقتصادي د. عامر الشوبكي في تصريح خاص لـ صدى الشعب من أن موازنة عام 2026 تكشف عن اختلال بنيوي خطير في أولويات الإنفاق العام، يهدد بشكل مباشر جودة التعليم والصحة والنقل خلال السنوات المقبلة. فبحسب الأرقام الرسمية، ستدفع الخزينة مليارين و260 مليون دينار فوائد على الدين العام، مقابل 236 مليون دينار فقط للنفقات الرأسمالية المخصّصة لقطاعات الصحة والتربية والتعليم والتعليم العالي والنقل مجتمعة.
ويرى الشوبكي أن هذه الأرقام لا تعكس فجوة عابرة، بل تكشف معادلة مالية تعيد تشكيل قدرة الدولة على التطوير. فحين تنفق الحكومة على كلف الماضي أضعاف ما تستثمره في المستقبل، يصبح تراجع الخدمات العامة نتيجة طبيعية لهذا النهج.
إنفاق يستهلك المستقبل
ويبيّن الشوبكي أن فوائد الدين العام تبتلع مبالغ ضخمة كان يفترض أن تُصرف على بناء المدارس وتطوير المستشفيات وتحسين الطرق وتعزيز منظومة النقل ودعم الجامعات. وهو ما يفسّر – من وجهة نظره – ما يشهده المواطن اليوم من اكتظاظ مدارس ونقص كوادر تعليمية، وتراجع جودة الخدمات الصحية وطول قوائم الانتظار، وضعف النقل العام، وتأخّر مشاريع حيوية في المياه والطاقة رغم أهميتها للنمو الاقتصادي.
ويؤكد أن خطورة الأمر لا ترتبط بسنة واحدة، بل باستمرار النهج ذاته لسنوات، ما يجعل تحسين الخدمات العامة أمراً شبه مستحيل طالما تذهب معظم الموارد المالية لخدمة الدين بدلاً من الاستثمار.
هل يمكن تحسين الخدمات؟
يجيب الشوبكي: نعم، ولكن بشرطين أساسيين.
أولاً: رفع كفاءة الإنفاق العام عبر إعادة هيكلة الدعم، مكافحة الفاقد في الماء والطاقة، ووقف الهدر المالي الذي يكلف الدولة مئات الملايين سنوياً، سواء كان هدراً إدارياً أو فساداً، بما في ذلك تضخم الجهاز الحكومي وتعدد الهيئات المستقلة وتشابه أدوار المؤسسات.
ثانياً: توجيه جزء من الموارد إلى مشاريع استثمارية حقيقية قادرة على خلق نمو اقتصادي وتوفير فرص عمل، بدلاً من الاستمرار في الاقتراض لسد النفقات الجارية. فغياب النمو الحقيقي يعني تضخّم كلفة الدين عاماً بعد عام وتراجع ما يُتاح للإنفاق على التعليم والصحة والنقل.
هل يحصل المواطن على خدمات توازي ما يدفعه؟
يؤكد الشوبكي أن المواطن الأردني لا يحصل على مستوى خدمات يتناسب مع حجم ما يدفعه من ضرائب، خصوصاً الضرائب غير المباشرة عبر المحروقات والكهرباء وضريبة المبيعات والرسوم المختلفة. ويرى أن هذا الخلل ناتج عن هيكل اقتصادي مختل يقوم على دين عام كبير، وفوائد مرتفعة، ونظام ضريبي يعتمد بشكل واسع على الضرائب غير المباشرة، إلى جانب ضعف الإنفاق الرأسمالي الذي لا يتجاوز 2–3% من إجمالي النفقات.
استثمار الإنسان أول الطريق
ويشدد الشوبكي على أن أي دولة لا يمكن أن تتقدم وهي تدفع أضعاف ما تستثمره في الإنسان، وأن إعادة ترتيب الأولويات المالية باتت ضرورة ملحّة لتحسين التعليم والصحة والنقل وتوجيه كل دينار متاح نحو المستقبل لا نحو خدمة ديون الماضي.
ويختم بالإشارة إلى أن جزءاً كبيراً من المواطنين ما زالوا لا يعرفون أين أُنفِق هذا الدين وكيف تراكم، خصوصاً بعد أن خسرت الدولة كثيراً من مواردها نتيجة الخصخصة التي أحاطتها أسئلة كثيرة وعلامات استفهام واسعة






