لنعترف أن الجائحة أوغلت في البلاد حتى أصبح ترتيبنا الرابع عربيا والتاسع والثلاثين عالميا من حيث الإصابات بينما نحتل المرتبة 52 من حيث الوفيات، هذا حسب مؤشر World Meters المختص في بيان أعداد الإصابات والوفيات.
حسب آخر إحصائية صدرت مساء الثلاثاء الماضي لدينا 156 ألف إصابة مكتشفة منها 64 ألف حالة نشطة، أما الوفيات فارتفعت لتصل 1909. بينما يتلقى العلاج 2153 شخصا منهم 474 في العناية الحثيثة وبنسبة عامة
23.5 %، والمتوقع أنها سترتفع اليوم بشكل قياسي بعد ثغرة مصنع العقبة الكارثية وقد تجاوزت 2000 إصابة في العقبة فقط حتى كتابة هذه السطور.
بذات الوقت يحذر مسؤول الأوبئة من نقص كبير في الكوادر الطبية ومن وصول نسبة الإشغال لما يقارب 55 %، وهي مرشحة للزيادة في الأيام القليلة القادمة التي ربما ستشهد زيادة كبيرة بفعل الاختلاط الكبير بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية. وهذا يعني للأسف مزيداً من الموت، ففرصة من يصل وحدة العناية الحثيثة بالنجاة ضعيفة جداً.
الحكومة على ما يبدو اختارت –مضطرة- سيناريو يضمن التوازن بين محاصرة الوباء بأقصى ما يمكن وإدامة معظم القطاعات الضرورية لعدم انهيار القطاع الاقتصادي، فهي التي تعرف الأرقام والتداعيات في حالة الذهاب للإغلاق أو الحظر الشامل، وهي تراهن على التزام المواطن بارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي. وهو رهان غير منتج وخاسر للأسف وسيساهم في استمرار الانتكاسة لأن أمر الدفاع غير مفعّل كما يجب بينما مخالفات السير على قدم وساق.
هناك من يريد أن يسمع ما يحب أن يسمعه ولا يريد أن يقتنع بأن رائحة القلق والخوف والموت تنتشر في الأجواء، وهي مرشحة للزيادة في الأيام القادمة إن لم نذهب لقرارات جريئة. فانتظار الوصول لمرحلة الذروة ليتم تسطيح المنحنى الوبائي لن يتحقق قبل شهر وأكثر. وسطياً علينا أن ننتظر ما بين 150 ألفا إلى 180 ألف إصابة جديدة مؤكدة ووفيات جديدة قد تقترب من خمسة آلاف وفاة –لا قدر الله. وكل المؤشرات تعزز هذا الاستنتاج.
كل ما يمكن أن يقال عن رفع قدرة القطاع الصحي ورفده بمستشفيات ميدانية وكوادر طبية مهم وإنجاز كبير. ولكن عملياً لن نلمس حدوث فرق إلا بعد شهر على الأقل. وبالتالي يبدو ملحاً وضرورياً اليوم التعامل وبأسرع وقت على إبقاء القطاعات الضرورية فقط لحياة الناس والتحرك بسرعة لتقليل الاختلاط بين الناس لأدنى مستوى ممكن، وهذا لن يحدث بالتمنيات بل بالحزم.
لحظة الحقيقة تفرض نفسها علينا جميعاً حكومة ومواطنين، ولكن الحكومة تدرك أن جزءاً غير يسير من المواطنين اعتاد واستمرأ التنمر على قرارات الحكومة من باب المناكفة والاستهتار وعدم الالتزام حتى ولو كانت الكلفة كبيرة عليه بما فيها إصابته وخسارة حياته وفقدان أحبائه. والمسؤولية هنا تقع بالدرجة الأولى على الحكومة التي يتوجب عليها اتخاذ القرار دون أي تردد مهما علت الأصوات الرافضة لأن حياة الناس مقدسة.
نتفهم أن الحكومة تأخذ بالحسبان تجنب الإغلاق الشامل ونبرر لها ذلك. ولكن بقاء الأمور على هذا الوضع يعني أننا ذاهبون لكارثة محققة، وحينها لن يؤثر كثيراً أننا استجبنا لضغوط القطاعات الاقتصادية التي لم يقتنع بعض أصحابها بأن المسؤولية الوطنية تطال الجميع والتضحية ليس فقط من مسؤولية الحكومة. هي لحظة فارقة في تاريخ البلاد ولنكن بحجمها.