كتب: فهر عبداللطيف القرشي / سويسرا
تعتبر المصارف السويسرية الاشهر بين جميع البنوك العالميه وهي الوجهه الاولى للاثرياء من جميع انحاء العالم كما لايعتبر ثري الا اذا كان يمتلك حساباً في احد البنوك السويسريه و التي اكتسبت اهميتها لوجود مجموعه من الظروف التي عملت دولة سويسرا عليها لتكون بيئه مناسبه ومن اهمها الاستقرار و الامان .
تتضمن السرية المصرفية عدم الإفصاح عن أي شيء قد يضر بمصلحة عميل المصرف تحت أي ظرف كان إلا في حالات خطيرة استثنائية تقررها السلطات. بالإضافة إلى ذلك يجب على المصرف ضمان سرية كل علاقات العميل وصفقاته ومركزه المالي والمصارف الأخرى التي يتعامل معها.
في البداية كان يتم الاعتماد على القواعد و التشريعات المصرفية الخاصة بكل مقاطعة سويسرية، ولم تتضمن هذه التشريعات أي شيء يذكر عن السرية المصرفية. جرت فيما بعد محاولات أولية لتنظيم المصارف خلال فترة الحرب العالمية الأولى، وأيضاً لم تتضمن هذه المحاولات ما يتعلق بالسرية المصرفية. جاء بعد ذلك قانون السرية المصرفية نتيجة الأحداث والأزمات الاقتصادية حيث بلغت ذروتها عام 1933 عند انهيار بنك فولكس، وبدأ تنفيذ القانون في آذار عام 1935، وفرض المصرف الفدرالي على المصارف السويسرية السرية المصرفية، واعتبر أن أي معلومة يدلي بها موظف مصرفي لأي جهة كانت جريمة جنائية. على الرغم من أن هذا القانون يعتبر شائعاً في كثير من دول العالم، إلا أنه عومل في سويسرا بجدية كبيرة وبحرص حكومي بالغ. وخاصة أن تلك المرحلة شهدت تقلبات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وعلى الرغم من أن المنافسة الاقتصادية تبدو سبباً مقنعاً للسرية التي تتميز بها المصارف السويسرية، إلا أن الخصوصية المالية لطالما كانت متأصلة في الثقافة والتاريخ السويسريين. حيث تٌعد الخصوصية من المبادئ الأساسية في النظام القانوني السويسري، وتعتبر حقاً أساسياً للجميع. تستمد هذه الخصوصية قوتها من النظام الديمقراطي القائم وعلاقة النظام بالشعب القائمة على الثقة، حيث يجب على الحكومة أن تتمتع بالشفافية الكاملة مع المواطنين ولكن ليس بالضرورة أن يكون الحال بالعكس، مما يزيد من ثقة الأفراد بالحكومة وبسياساتها الضريبية. الجدير بالذكر أن هذه العلاقة لا تتضمن فقط السويسريين والمقيمين في سويسرا بل تشمل الجميع، وتعتبر الحكومة أنه من حق الجميع التمتع بالخصوصية والسرية، وبالتالي فإنه من المشروع عدم مساعدة سويسرا لبعض الحكومات في الإفصاح عن بعض الأصول أو العملاء. أي أنه بالنسبة للأجانب لا يدلي المصرف السويسري بأي معلومات تخص العميل إلا في حال تنازل العميل عن حقه في السرية أو من أجل المساعدة القضائية في بعض الحالات الخطرة. وحتى يومنا هذا يفرض البنك الفدرالي السويسري العديد من العقوبات على المصارف السويسرية في حال مخالفتها للقوانين الناظمة وخاصة فيما يتعلق بأمور الخصوصية والسرية للعملاء.
وقد أثبتت المصارف السويسرية عبر التاريخ حرصها على خصوصية عملائها حتى قبل أن يصدر أي قانون يتعلق بذلك. فبعد الحرب العالمية الأولى ارتفعت نسبة الضرائب الأوروبية بغرض إعادة الإعمار وتسديد ديون الحرب، وحاولت الحكومتان الألمانية والفرنسية اللجوء إلى المصارف السويسرية لتعرف ما هي الأصول التي يحتفظ بها مواطنوها وسياسيوها لكنهم أخفقوا في ذلك. وفي عام 1931 لجأت الحكومة الألمانية النازية إلى الرقابة على الصرف وفرضت عقوبة الإعدام على الألمان الذين أخفوا حقيقة أموالهم في الخارج، كما لجأت إلى أساليب التجسس للحصول على معلومات حول الحسابات المشبوهة في سويسرا، لكن جميع محاولاتها فشلت. تعرضت المصارف السويسرية أيضاً في عام 1933 لضغوط هائلة من قبل الحكومة الفرنسية بعد قضية البنك السويسري بالسر هاندل وتورطه مع عدد كبير من السياسيين الفرنسيين والجنرالات والصناعيين، وذلك في محاولة منها للحصول على معلومات تدين المتورطين، إلا أن المصارف السويسرية لم تدلي بشيء على الإطلاق. بعد ذلك واجهت المصارف السويسرية العديد من حالات الإفلاس نتيجة الأزمة المصرفية ولم تسمح المصارف للحكومة بالتدخل إلا بعد ضمان الأخيرة السرية التامة وعدم الإفصاح عن أي معلومة وإصدار قانون يتعلق بذلك.
هناك العديد من الأساليب التي تتبعها المصارف السويسرية لتحافظ فيها على خصوصية عملائها، أحد أهم الأساليب هو أسلوب ترميز الحسابات المصرفية ليتم إخفاء أسماء أصحابها، وبذلك يصعب على أي طرف الوصول لمعلومات مهمة عن العملاء، حتى أن الموظفين أنفسهم غير قادرين على ذلك ممن يحمي العملاء من الابتزاز أو أي شيء من هذا القبيل، وهذا جزء أساسي من القانون المصرفي السويسري الصادر في خمسينيات القرن الماضي.
كما تعمل المصارف السويسرية ضمن إطار شبكة حسابات مصرفية خاصة تدعى (PBAN) تعمل على حماية الحسابات المصرفية وتتضمن عدة مستويات حماية، وتختلف صلاحيات الدخول إليها بحسب المسؤولين عن العمليات المصرفية وأهميتها. كما تعتمد المصارف السويسرية على نظام لعزل الحسابات المصرفية عن بعضها البعض، فحتى لو كان العميل يمتلك عدة حسابات بعدة أفرع فلا يستطيع الموظف المصرفي معرفة ذلك.
الجدير بالذكر أن السرية المصرفية قد تخلق أيضاً بعض المخاطر بالنسبة للعملاء، فكون المال مخفياً ويتمتع بالسرية قد يضع العميل في موضع لا يستطيع أن يتطلب فيه الكثير من الشروط. كما أن هذه الأموال قد تكون عرضة للضياع أو السرقة أو الاحتيال ولا يستطيع العميل المطالبة بشكل صريح بها، حيث قد يتردد في فرض حقوقه التعاقدية في الحالات يفترض أن تكون فيها أمواله سرية.
وبلا شك يعتبر توفير الحماية الكاملة للمواطن وممتلكاته من المبادئ الأساسية القديمة عبر التاريخ، وأصبحت فيما بعد عرفاً تقليدياً. لكن من الضروري من فترة لأخرى أن يتم تحديد طبيعة ومدى هذه الحماية بدقة. إذ طالما كانت حماية الخصوصية موضوعاً للجدل في العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية وخاصة لما قد ينجم عنها من قضايا غير مشروعة أو غير مقبولة قانوناً. وفيما يتعلق بالمصارف السويسرية كانت قضيتا التهرب الضريبي وتهريب رؤوس الأموال هما الأكثر إثارة للجدل على المستوى العالمي، حيث أن الحكومة السويسرية لا تقوم بفرض ضرائب على الحسابات المصرفية لغير المقيمين باستثناء مواطني دول الاتحاد الأوروبي الذين يدفعون ضريبة مقطوعة، أو يفصحون عن أرباحهم لسلطاتهم الضريبية المحلية، ومع ذلك يبقى نطاق أرباح الاستثمار الخاضعة للضريبة بشكل فعلي محدوداً، وذلك لأنه طبقاً للقانون السويسري فإن التهرب الضريبي، وعدم الإقرار بالدخل أو الأصول الخاضعة للضريبة لا يعتبر بجريمة يعاقب عليها القانون. إلا أنه توجد رسوم إدارية تفرض في حال عدم الإفصاح عن أحد مصادر الدخل تتراوح قيمتها ما بين الثلث إلى ثلاثة أضعاف مبلغ الضريبة. وتعتبر الحكومية السويسرية أن موقفها من التهرب الضريبي هو خيار سياسي لها، وللسلطات السياسية صلاحيات كاملة في التصرف مع حالات التهرب من دفع الضرائب، لكنها لا تستطيع البحث في الممتلكات ومصادرتها وأذية عملائها. والأشخاص اللذين يتحملون مسؤولية السرية المهنية غير مطالبين بالإفصاح وتقديم معلومات للسلطات الضريبية المحلية أو الخارجية. ولا تسمح السلطات السويسرية بتجاهل مبدأ السرية المصرفية لمساعدة بلد أجنبي يقوم بالتحقق من قضايا تهرب ضريبي. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن القانون السويسري يعتبر الاحتيال الضريبي جريمة ويعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وهو ما يتضمن قيام الشخص بمحاولة تزوير مستندات وأوراق تخص ممتلكاته والقيام بعمليات تعرقل عمل السلطات الضريبية.
القضية الثانية المثيرة للجدل فيما يتعلق بالسرية المصرفية هي قضية تهريب رؤوس الأموال، والتي تعني نقل أموال محظورة على شكل صرف لعملة أجنبية أو أوراق مصرفية من دولة تضع قيود على حركة أموال المقيمين، وفي ذلك مراوغة واضحة للتخلص من العبء الضريبي في هذه الدولة. هنالك عدة أسباب تجعل من سويسرا مكاناً مرغوباً للأموال غير القانونية، فبعد الحرب العالمية الثانية لم تفرض الحكومة السويسرية، وعلى عكس بقية الدول الأوروبية المجاورة، نظاماً مقيداً لصرف العملات الأجنبية. كما أن سويسرا لم تنضم لصندوق النقد الدولي، وبالتالي لا تخضع لاتفاقياته الخاصة بتبادل الأموال والعملات بين الدول. مما جعل من سويسرا مقصدا ً لكثير من الأموال المشبوهة لشخصيات مشبوهة حول العالم.
لقد خضعت السرية المصرفية السويسرية للعديد من الانتقادات والتحديات من داخل وخارج سويسرا، ولا سيما في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. لكن في النهاية لا بد من الإشارة إلى أنه لا يمكن اعتبار السرية المصرفية هي العامل الوحيد وراء نجاح المصارف السويسرية، وخاصة أن العديد من الدول اعتمدت النهج السويسري فيما يتعلق بالسرية ولم تصل لمستوى سمعتها. فقد كان للعديد من العوامل الأخرى دور مهم أيضاً في وصول المصارف السويسرية لهذه المرحلة. ألا وهي الاستقرار السياسي وسيادة الأمن، واستقرار الاقتصاد وسعر صرف العملة، واستقرار النظام المصرفي وتقديم خدمات مصرفية مميزة ومبتكرة، وأخيراً انتشار ظاهرة العولمة الاقتصادية بشكل عام وعولمة قطاع المصارف بشكل خاص.