الأردنيون لا يثقون بتعليمكم!

تمت إضافتي على مجموعة فيسبوك من قبل إحدى الأمهات التي يخضع ابنها لتعليم عن بعد أريد لنا أن نعتقد أنه الأفضل عالميا. أو على الأقل هكذا تم التصريح من قبل جهابذة لم يكلفوا أنفسهم عناء دراسة ما قدموه حتى اليوم من خراب.
تقول لي إنها أضافتني لكوني أكتب في شؤون التعليم بشكل شبه مستمر، وإنه من الجيد أن أتعرف من قرب على رأي الأهالي في نوعية التعليم الذي يتم تقديمه، وأيضا على الطريقة التي تتم فيها إدارة الصفوف عن بعد.
قبل انضمامي لهذه المجموعة، كنت أعتقد أن الموقف الذي يتخذه الأهالي، خصوصا الأمهات، من التعليم عن بعد يتأتى، في الأساس، من انخراط الأمهات في العمل، وعدم قدرتهن على متابعة تعليم أبنائهن، أو عدم اطمئنانهن لترك الأبناء في البيت وحيدين، فاتحات المجال لآلاف الاحتمالات الشريرة التي من الممكن أن تحدث في غيابهن.
للأسف الشديد، مثل هذه الأفكار والمقولات التي انتشرت في موضوعات ومقالات كثيرة في الإعلام، وعلى أهميتها وأهمية إمكانية وجودها في وعي العائلات الأردنية، إلا أنها تبقى سطحية حين محاولة تقييم الأثر السلبي الفعلي على عملية التعليم عن بعد برمتها، ولجميع الصفوف.
في إحدى التعبيرات الأكثر درامية، تصور أم ابنها النائم خلف شاشة اللابتوب، بينما يتعالى صوت المعلم محاولا تحفيز طلبته، لكن من دون نتيجة. في إدراج صوتي آخر، تنهار إحدى المعلمات وهي تستصرخ الأهالي أن يضبطوا تصرفات أبنائهم التي لا تبدو أنها تصرفات طلبة من غرفة صفية، حتى لو كانت رقمية، فالفوضى والصراخ والضحك المحموم أكبر من أن يحتمله أي شخص. في حالة أخرى يسمع صوت المعلمة وهي تنخرط في نوبة بكاء طويلة بعد فشلها في ضبط الطلبة، وعدم قدرتها على جرهم للالتزام بالدرس بسبب الغوغاء الكثيرة التي يحدثها الطلبة وهم غير مبالين بأي شيء، حتى بمعلمتهم.
كل ذلك كان على سبيل الشكل، ولكن ماذا عن المحتوى؟!
يقول طالب في الصف السابع، إن “التعليم عن بعد ممتع”. ويشرح رأيه بأن هذا التعليم يستوجب منه أقل من ثلاث ساعات تعليمية. في الحقيقة هذا الأمر مدعاة لأن يكون مرحبا به من قبل الطلبة، والذين هم، من دون الصفين الأخيرين، بحكم الأطفال الذين سيفعلون أي شيء متاح لكي يهربوا من حضور الحصص، ويمارسوا الكسل والانغماس في الأجهزة الإلكترونية التي تجذرت في حياتهم خلال الفترة الماضية بسبب “ثقافة” التعليم عن بعد التي ذهبنا إليها مرغمين، ولكننا لم نحاول تطوير آلياتها ومدخلاتها.
خلال الحصة، يكون المعلم أو المعلمة، كمن يدخل سباقا يتوجب أن ينهيه في أسرع زمن، لذلك فجميع ما يتم إعطاؤه هو رؤوس أقلام فحسب، بينما يغيب أي ملمح للاشتباك الحقيقي بين الطلبة والمعلم، ما يضع أعباء إضافية على الطالب وذويه لاستدراك ما يتركه المعلم وراءه.
عن نوعية التعليم، تتحدث أمهات كثيرات يؤكدن أن عشرين دقيقة تعطي ملمحا أوليا عن الموضوع، بينما يتم ترك الجهد الأكبر للأهالي الذين يتوجب عليهم أن يكملوا ما اقترفته الوزارة من خطايا، وأن يشرحوا لأبنائهم ما كانت الوزارة تنوي أن تقوله لو تسنى لها ذلك!!
هنا، نحن نتحدث عن الطلبة الذين يتسنى لهم “الاطلاع” على التجربة المريرة للتعليم عن بعد. لكن ماذا عن نسبة كبيرة من الطلبة الذين لم يتسن لهم الوصول إلى منصات الوزارة بسبب الفجوة الرقمية الهائلة القائمة بين المراكز والأطراف، أو لدى الطبقات الفقيرة والمعدمة حتى في المدن الرئيسية؟!
لا توجد إجابات واضحة لدى المسؤولين عن العدالة الغائبة في تعليم اليوم، سواء من ناحية المحتوى، أو من ناحية الشمولية. ربما سننتظر عقدا من السنوات المقبلة لنتعرف جيدا على المخرجات التي نؤسس لها اليوم. لكن، وقبل ذلك، ومن خلال المجموعة على فيسبوك والتي تضم الآلاف، أستطيع أن أؤكد أن الأردنيين لا يثقون بـ”السيرك” الذي تديره الوزارة، وتسميه تعليما عن بعد!
ربما يلخص ما قلناه أزمة طارئة جديدة، من الأوجه العديدة لأزمة التعليم ككل، والتي سنتناول أوجها أخرى لها في مقالات قادمة.

أخبار أخرى