صدى الشعب – د. تهاني رفعت بشارات
في هذه الحياة، نواجه أحياناً أقداراً تخالف ما نحلم به، وتأتي الأيام بما لم يكن في الحسبان. نبحث عن السعادة، فنجد الألم، ونسعى لتحقيق أحلامنا، فنواجه الصعوبات، لكن يبقى هناك سر خفي يدور في رحى القدر، وهو أن الله عز وجل يدبر لنا الخير في كل حين. تلك الحقيقة تجعل المؤمن يخطو بثبات نحو المستقبل، موقناً أن ما يخبئه الله له هو خير مما كان يتمناه، حتى لو بدت له الأمور في لحظات الضعف والتعب كأنها تتهاوى أمامه كأوراق الخريف اليابسة.
وقد قرأت في أحد الأيام وأنا في قمة ضعفي ومواجهتي لتحديات الحياة قصة تجعل الإيمان يزيد في قلبي قوة وثباتاً، إنها قصة فرخ الغراب، المسمى بالنعاب. عندما يفقس بيض الغراب، يخرج الفرخ أبيض اللون، فينكره الأبوان ويتركانه، وكأن لونه المختلف هو سبب في نفيه عن عش الأسرة. لكن الله في حكمته وقدرته يسوق إلى العش نوعاً من الديدان ليطعم هذا الفرخ الضعيف حتى يظهر ريشه الأسود. وعندما يعود لونه إلى ما يتوقعه الأبوان، يعودان إلى العش ليقوموا بالعناية به. تلك القصة تذكرني بحكمة عظيمة: كيف يمكن لله أن ينسى عبده المؤمن، الذي يعيش وسط آلامه ويتألم بوحدته؟ فالله الذي لم ينسى فرخ الغراب، لن ينسى عبده الذي لجأ إليه في ضعفه، وعليه فلتكن مع الله ولا تبالي بما يواجهك، فالله هو الحافظ والرحيم.
إن ما نراه من مظاهر الحياة، وما نمر به من شدائد، ما هو إلا محطات صغيرة في رحلة طويلة من الاختبار والتجربة. فالذين وثقوا بالله في أشد ساعاتهم، لم يخرجوا إلا أقوى وأشد إيماناً، كالسفينة التي تخوض عباب البحر في العاصفة، لكنها تصمد وتصل إلى بر الأمان. فكل محنة تحمل في طياتها منحة، وكل انكسار يهيئ النفس لاستقبال فرحة قادمة، تماماً كما تتحول الزهرة الذابلة إلى زهرة متفتحة بعد سقوط قطرات المطر عليها. لذا كن مع الله، آمن بالفرج القريب، وكن واثقاً بأن حب الله لك أكبر من أي حب، وأنه لن يتركك وحيداً في ظلمات الحياة.
في نهاية المطاف، حين نتأمل في قدرة الله ورحمته، نجد أن كل ما نمر به من صعوبات ما هو إلا جزء من خطة إلهية لا يعلم سرها إلا الله. وكما يتبدل لون ريش الغراب الصغير مع مرور الأيام، تتبدل أحوالنا نحن أيضاً، ويمنحنا الله من قوته ورحمته ما يجعلنا نواجه الحياة بأمل وشجاعة. فلا تكن من الذين ييأسون عند أول عقبة، بل كن من الذين يرون في كل محنة فرصة للتقرب من الله والاعتماد عليه. في الأوقات الصعبة، استشعر وجود الله بجانبك، وثق بأن كل أمر يمر بك، مهما كان صعباً، هو خطوة نحو الخير الذي أعده الله لك. فتذكر دائماً: كن مع الله ولا تبالي.