صدى الشعب _ كتب عمر ضمرة
في ظل احتدام الصراع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، برزت مصر بموقف لافت يعكس وعياً استراتيجياً عميقاً بحجم التحولات الجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة. فمع اندلاع شرارة الحرب، وجدت القاهرة نفسها أمام مشهد إقليمي معقد، تتداخل فيه الأوراق وتتشابك المصالح، ضمن لحظة فارقة قد تعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط برمته.
تدرك مصر، كما تدرك قوى عربية فاعلة، أن ما يجري ليس صراعاً عسكرياً عابراً، بل محاولة ممنهجة لإعادة تشكيل موازين القوة لصالح الكيان الصهيوني، خاصة بعد تحييد أبرز ركائز المقاومة. فبعد القضاء على سوريا وتفكيك دورها الإقليمي، وتحييد حزب الله، وخروج العراق وليبيا من معادلة الصراع الوجودي، تتعرض الأردن اليوم لضغوط اقتصادية وسياسية خانقة.
وسط هذا المشهد، يبرز السؤال الجوهري: ماذا لو سقطت إيران؟
الإجابة تبدو جلية في نظر العديد من المحللين الاستراتيجيين: إذا انهار حائط الصد الإيراني، ستبسط هيمنة الكيان الصهيوني على كامل الإقليم. لن تكون السيطرة مقتصرة على فلسطين التاريخية، بل ستمتد لتشمل بلاد الشام والعراق والخليج العربي وحتى عمق الأردن. ومع هذا التمدد، ستستباح الموارد العربية من نفط وغاز، وسيتحول الموقع الجيوسياسي العربي إلى منصة لخدمة الأجندات الغربية في صراعها المفتوح مع الصين وروسيا.
في هذا السياق، تكتسب مصر أهمية خاصة، لا بوصفها دولة ذات ثقل بشري وتاريخي فحسب، بل لما تمثله من بوابة استراتيجية تطل على قناة السويس، أحد أهم الممرات التجارية في العالم. وبالتالي، فان سقوط طهران، ينذر بشن حرب -من قبل الغرب المتصهين- على الجمهورية العربية المصرية، وفقاً لمؤشرات ودلالات سياسية واضحة، بهدف تنفيذ مخططات التهجير القسري والسيطرة التامة على قناة السويس. وإذا ما خضعت مصر بالكامل للنفوذ الغربي الصهيوني، فإن قناة السويس ستفقد هويتها المصرية، وتتحول إلى أداة بيد واشنطن ولندن وباريس في صراعهم على الهيمنة العالمية.
إن سقوط إيران، من منظور مصري وعربي، لا يعني فقط إسقاط دولة، بل انهيار آخر خطوط الدفاع أمام مشروع تفتيت المنطقة وإلحاقها الكلي بمنظومة الهيمنة الغربية. وإن لم تدرك الدول العربية حجم الكارثة، فقد يأتي اليوم الذي تمنع فيه من قول نصف “لا” لأي مشروع استعماري جديد، يفرض من وراء الكواليس، وتنسج خيوطه في الظل.
في هذه اللحظة المصيرية، تدعو أصوات الصحفيين والسياسيين من القاهرة، ولو بصوت غير معلن، إلى ضرورة التريث وعدم الانجرار خلف مشاريع الإضعاف المتسارعة. فلن يكون لأحد مصلحة، مهما بدا بعيدًا عن خط النار، في انهيار التوازن الهش الذي تمثله إيران في وجه التمدد الإسرائيلي والغربي.