صدى الشعب – كتب: د. عايش النوايسة / خبير ومستشار تربوي
تُعَدُّ الصِّحَّةُ النَّفْسِيَّةُ حَالَةً مِنَ الْعَافِيَةِ الْجَسَدِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ؛ وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ مَرَضٍ أَوْ ضُعْفٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ النَّفْسِيَّةَ تُعْتَبَرُ أَمْرًا ضَرُورِيًّا لِلتَّمَتُّعِ بِالصِّحَّةِ بِشَكْلٍ عَامٍّ.
وَالصِّحَّةُ النَّفْسِيَّةُ هِيَ حَالَةٌ مِنَ الْعَافِيَةِ يُدْرِكُ الْفَرْدُ مِنْ خِلَالِهَا قُدُرَاتِهِ، وَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَكَيَّفَ مَعَ الضُّغُوطِ الطَّبِيعِيَّةِ فِي الْحَيَاةِ، وَأَنْ يَعْمَلَ بِشَكْلٍ مُنْتِجٍ وَمُثْمِرٍ، كَمَا يَكُونُ قَادِرًا مِنْ خِلَالِهَا عَلَى الْمُسَاهَمَةِ فِي مُجْتَمَعِهِ.
تُعَدُّ الصِّحَّةُ النَّفْسِيَّةُ عُنْصُرًا هَامًّا فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ؛ إِذْ إِنَّ الْوُصُولَ إِلَى الْحَالَةِ الْإِيجَابِيَّةِ وَالنُّمُوِّ النَّفْسِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ يُسَاعِدُ الْإِنْسَانَ فِي التَّكَيُّفِ وَتَحْقِيقِ أَهْدَافِهِ وَأَهْدَافِ الْمُجْتَمَعِ. وَتُعْتَبَرُ الصِّحَّةُ النَّفْسِيَّةُ أَسَاسًا لِلصِّحَّةِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْعَلَاقَاتِ الْأُسَرِيَّةِ وَالْمُسَاهَمَةِ النَّاجِحَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ، كَمَا تَرْتَبِطُ بِتَطَوُّرِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَالدُّوَلِ.
وَقَدْ أَشَارَتِ الْجَمْعِيَّةُ الْمَلَكِيَّةُ لِلتَّوْعِيَةِ الصِّحِّيَّةِ فِي الْأُرْدُنِّ فِي أَحَدِ تَقَارِيرِهَا إِلَى أَنَّهُ، رَغْمَ انْتِشَارِ الْأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ لَا يُتَمُّ تَشْخِيصُهَا؛ كَمَا أَنَّ الْعَدِيدَ مِنَ الْمَرْضَى يَتَرَدَّدُونَ فِي طَلَبِ الْمُسَاعَدَةِ الطِّبِّيَّةِ. لِذَلِكَ، فَإِنَّ 2 فَقَطْ مِنْ كُلِّ 5 أَشْخَاصٍ يُعَانُونَ مِنِ اضْطِرَابَاتٍ فِي الْمِزَاجِ أَوْ مِنَ التَّوَتُّرِ أَوْ مِنِ اضْطِرَابَاتٍ بِسَبَبِ الِاسْتِخْدَامِ السَّيِّئِ لِبَعْضِ الْمَوَادِّ يَطْلُبُونَ الْمُسَاعَدَةَ الطِّبِّيَّةَ خِلَالَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ إِصَابَتِهِمْ بِهَذِهِ الْحَالَاتِ.
إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْآثَارِ الَّتِي تَظْهَرُ عَلَى الشَّخْصِ غَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ بِصِحَّةٍ نَفْسِيَّةٍ سَوِيَّةٍ هِيَ الْعُصَابِيَّةُ، وَهِيَ اضْطِرَابٌ وَظِيفِيٌّ فِي الشَّخْصِيَّةِ يَقَعُ بَيْنَ الْحَالَةِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالذُّهَانِ؛ وَهِيَ حَالَةٌ مَرَضِيَّةٌ تَجْعَلُ الشَّخْصَ الْعَادِيَّ أَقَلَّ سَعَادَةً، وَيَعْتَبِرُهَا الْبَعْضُ صُورَةً مُخَفَّفَةً مِنَ الذُّهَانِ. وَتُمَثِّلُ أَعْرَاضُ الْعُصَابِ رَدَّ فِعْلِ الشَّخْصِيَّةِ أَمَامَ وَضْعٍ لَا تَجِدُ لَهُ حَلًّا بِأُسْلُوبٍ آخَرَ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ خَلَلٍ وَظِيفِيٍّ فِي شَخْصِيَّةِ الْفَرْدِ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ صِرَاعَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ وَتَصَدُّعٍ فِي الْعَلَاقَاتِ الشَّخْصِيَّةِ، وَظُهُورِ أَعْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالْقَلَقِ، وَالْاكْتِئَابِ، وَالْأَفْعَالِ الْقَهْرِيَّةِ، وَسُهُولَةِ الِاسْتِثَارَةِ وَالْحَسَاسِيَّةِ الزَّائِدَةِ، وَاضْطِرَابَاتِ النَّوْمِ وَالطَّعَامِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الِاضْطِرَابَاتِ الَّتِي يُعَانِي مِنْهَا الْفَرْدُ الْعُصَابِيُّ دُونَ الْمَسَاسِ بِتَرَابُطِ شَخْصِيَّتِهِ؛ فَهُوَ يَتَحَمَّلُ الْمَسْؤُولِيَّةَ، وَيَمْتَلِكُ الِاسْتِبْصَارَ بِمُعَانَاتِهِ، وَيُحَاوِلُ التَّحَكُّمَ بِذَاتِهِ. وَكَذَلِكَ هُنَاكَ مَرَضٌ آخَرُ وَهُوَ الْاكْتِئَابُ النَّفْسِيُّ، وَهُوَ اضْطِرَابٌ عَاطِفِيٌّ يَتَمَظْهَرُ بِأَعْرَاضٍ نَفْسِيَّةٍ وَبَدَنِيَّةٍ وَسَرِيرِيَّةٍ تَعْكِسُ مِزَاجَ الْفَرْدِ وَمُعَانَاتَهُ، وَتَتَدَخَّلُ فِي هَذَا الِاضْطِرَابِ عَوَامِلُ بِيئِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ وَبِيُوكِيمْيَائِيَّةٌ.
وَحَتَّى نَصِلَ إِلَى مَرْحَلَةٍ مُتَوَازِنَةٍ فِي الْأُسْرَةِ وَالْمَدْرَسَةِ وَالْمُجْتَمَعِ، لَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيرِ بِيئَةٍ إِيجَابِيَّةٍ لِلنُّمُوِّ النَّفْسِيِّ؛ إِذْ أَشَارَتِ الْعَدِيدُ مِنَ الدِّرَاسَاتِ إِلَى أَنَّ هُنَاكَ عَدَدًا مِنَ الْخَصَائِصِ لِلْفَرْدِ الْمُتَمَتِّعِ بِصِحَّةٍ نَفْسِيَّةٍ إِيجَابِيَّةٍ، مِنْهَا: التَّوَافُقُ الاجْتِمَاعِيُّ الَّذِي يَشْمَلُ التَّوَافُقَ الْأُسَرِيَّ وَالْمَدْرَسِيَّ وَالْمِهَنِيَّ وَالْمُجْتَمَعِيَّ بِمَعْنَاهُ الْوَاسِعِ، وَالتَّوَافُقُ الشَّخْصِيُّ الَّذِي يَشْمَلُ الرِّضَا عَنِ النَّفْسِ وَالشُّعُورَ بِالسَّعَادَةِ مَعَ النَّفْسِ وَدَلَائِلُ ذَلِكَ الرَّاحَةُ وَالْأَمْنُ وَالثِّقَةُ وَاحْتِرَامُ الذَّاتِ وَتَقَبُّلُ الذَّاتِ وَالتَّسَامُحُ مَعَ الذَّاتِ، إِضَافَةً إِلَى الشُّعُورِ بِالسَّعَادَةِ مَعَ الْآخَرِينَ؛ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ احْتِرَامِ الْآخَرِينَ، وَإِقَامَةِ عَلَاقَاتٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ، وَالِانْتِمَاءِ لِلْجَمَاعَةِ، وَالتَّعَاوُنِ مَعَ الْآخَرِينَ، وَتَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَحُبِّ الْآخَرِينَ وَالثِّقَةِ بِهِمْ، وَتَحْقِيقِ الذَّاتِ وَاسْتِغْلَالِ الْقُدُرَاتِ؛ وَدَلَائِلُ ذَلِكَ فَهْمُ النَّفْسِ، وَالتَّقْيِيمُ الْوَاقِعِيُّ لِلْقُدُرَاتِ وَالْإِمْكَانِيَّاتِ، وَتَقَبُّلُ نَوَاحِي الْقُصُورِ، وَاحْتِرَامُ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ، وَتَنَوُّعُ النَّشَاطِ وَشُمُولُهُ، وَتَقَبُّلُ الْحَقَائِقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقُدُرَاتِ مَوْضُوعِيًّا، وَتَقْدِيرُ الذَّاتِ حَقَّ قَدْرِهَا، وَبَذْلُ الْجُهْدِ فِي الْعَمَلِ وَالرِّضَا عَنْهُ وَالْكَفَايَةُ وَالْإِنْتَاجُ.”





