في الطريق لتبني خطة شاملة للإصلاح السياسي والاقتصادي، لا بد من تسوية ملفات عالقة على نحو يبدد الشكوك حيال ما يقال في الخارج والداخل عن تقييد مفرط للحريات العامة، بدأ يلقي بظلال سلبية على صورة الأردن.
قبل أيام اضطر الملك للتدخل شخصيا بعد حكم قضائي أولي بحق فتاة اتهمت بمخالفة المادة 195 من قانون العقوبات، الخاصة بجرم إطالة اللسان على جلالة الملك. محكمة الاستئناف استجابت بسرعة النظر في القضية وأصدرت قرارها بالبراءة.
لا أحد يتدخل في عمل القضاء، والقضاة ملزمون بتطبيق العقوبات التي ينص عليها القانون. وفي ظل الانفتاح وثورة الاتصال الرقمية، يصعب كثيرا على السلطات ملاحقة المتطاولين، ورصد التجاوزات والمخالفات القانونية.
الخيار المناسب هو الإبقاء على المادة في القانون، لكن تطبيقها يكون في أضيق الحدود، وفي الظروف التي يصبح فيها التطاول مصدرا لتهديد الاستقرار، أو تنفيذ حملات ممنهجة هدفها النيل من مكانة الملك وشخصه.
حاليا هناك عدد من المواطنين في السجون يحاكمون بهذا التهمة، وبعضهم الآخر جرى تكفيلهم لحين صدور قرار المحكمة. ينبغي النظر في هذه القضايا وتسويتها، خاصة من صدرت بحقهم أحكام بالسجن.
وعلى هامش النشاطات الاحتجاجية تم توقيف بضعة أشخاص منذ أسابيع طويلة دون محاكمة، لا بد أيضا من تكفيلهم أو إغلاق ملفاتهم نهائيا، ومنحهم فرصة معاودة حياتهم الطبيعية مع الالتزام بالقانون.
طالما كان فضاء التعبير في الأردن رحبا، ويتسع للجميع مهما بلغت مغالاة بعضهم وارتفع سقفهم، لقد شكل ذلك مصدر قوة للأردن، واعتبر نموذجا على ثقة المؤسسات بنفسها، وقدرتها على التكيف مع تحولات ضخمة يشهدها العالم.
المجتمعات العالمية برمتها تعاني التجاوزات الصارخة على مواقع التواصل الاجتماعي، والعواقب الوخيمة لتفشي خطاب الكراهية والازدراء، والأخبار الكاذبة، وامتهان كرامة الأفراد وسمعتهم. يتعين علينا مواكبة النقاش العالمي بهذا الخصوص، والمساعي الرامية لحماية منصات التواصل لتؤدي الدور الايجابي المأمول منها، لكن في هذه المرحلة لا يمكننا فعل شيء سوى مقاومة التعصب والشعبوية والأكاذيب بالوسائل المتاحة نفسها، إلى أن يتمكن العالم من تعريف جديد لعلاقته مع تلك المنصات.
يستطيع الأردن بما له من إرث أن يستوعب الأصوات المرتفعة، ويدير معها حوارا يخفف من وطأتها، ويدفعها للانخراط في المسار العام. في ذروة الربيع العربي، خاض جلالة الملك شخصيا جولات طويلة من الحوار مع مختلف التيارات والجماعات السياسية، وحاور أكثرهم تشددا، وخرجوا جميعا من اللقاءات أكثر اعجابا بالملك واكثر ثقة بدولتهم ومؤسساتها.
وثمة قضية أخرى معلقة تحتاج هي الأخرى لتسوية منصفة، وأعني ملف نقابة المعلمين المعلق بالقضاء. يأمل الجميع بحل منصف وعادل، يحقق العدالة من جهة، دون خسارة المنجز الوطني المتمثل بوجود تشكيل نقابي لأكبر جسم مهني في الأردن، فالتسوية ممكنة في هذا الملف.
مثل تلك القضايا وغيرها شكلت عناوين تأزيم سياسي واجتماعي، وضررها على الأردن أكثر من نفعها، فهل نضع حدا للخسارة، وندخل مرحلة جديدة بمقاربة مختلفة تجمع ولا تفرق؟