صدى الشعب – في الثامن عشر من كانون الأول من كل عام؛ نحتفي باليوم العالمي للغة العربية؛ لغة القرآن الكريم، ولغة العلم والأدب والفكر التي حملت قيم الإنسانية، وأسهمت في بناء الحضارة البشرية، وكانت على مر العصور الجسر الذي نقلَ المعرفةَ والعلوم إلى العالم، يومٌ نستذكر فيه عظمة لغتنا الخالدة وجمال مفرداتها وتعابيرها وعمق معانيها؛ فتتجدد المشاعر وتفيض الكلمات بحب هذه اللغة الغنية وعظمتها، وتأثيرها الممتد عبر العصور والأجيال، لنحتفي بلغةٍ لم تكن وسيلة تواصل فحسب؛ بل هُويّة أمة وذاكرة حضارة امتدت عبر العصور.
إن المحافظة على لغتنا العربية مسؤولية مشتركة، تبدأ من الاعتزاز بها، والحرص على جودة استخدامها في حياتنا اليومية وتطوير مناهجنا التعليمية، وفي الصفوف الدراسية، والمخاطبات الرسمية، والبحث عن المفردات والمرادفات العربية التي تواكب العلوم المتجددة والمخترعات الحديثة؛ والسعي إلى تطوير أساليب تعليمها لتسهم في بناء الشخصية العلمية وتأهيل الطلبة إلى أسواق العمل العالمية؛ فتواكب الحداثة دون أن تفقد أهميتها أو يتراجع الاعتماد عليها لغةً للتعليم والتعلُّم والتواصل إضافة إلى اللغات العالمية الأخرى؛ لنُحقّقَ لأصالة والفائدة والمعاصرة في الوقت ذاته.
ولا يفوتنا أن نستذكر أنّ اللغة العربية أعرق لغات العالم وأكثرها ثراءً وعمقًا، نزل بها القرآن الكريم، وكانت لسان حضارة عالمية امتدت قرونًا طويلة، وأسهمت في بناء الفكر الإنساني في مجالات العلوم والطب والآداب والفلسفة وغيرها. ويأتي هذا اليوم الذي يُوافق الثامن عشر من كانون الأول من كل عام، مناسبةً عالمية للاحتفاء بهذه اللغة العظيمة، والتأكيد على مكانتها الثقافية والحضارية، وتعزيز حضورها في التعليم والإعلام ومجالات الحياة المختلفة.
إن اختيار هذا اليوم الذي ارتبط بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 اعتماد اللغة العربية لغةً رسميةً من لغات العمل في المنظمة؛ اعترافًا بأهميتها وقوتها ودورها في الحضارة ونشر المعرفة، إذ نجد أكثر من أربعمئة مليون إنسان يتحدثون بها اليوم ويتخذونها لغةً للتعلم والتواصل، يوجب علينا جميعًا أن لا يقتصر احتفاؤنا بيوم اللغة العربية على الناطقين بها؛ بل يشمل كل من يدرك قيمتها، ويرى دورها في حفظ التراث الإنساني وتعزيز الحوار بين الثقافات.
ونحن في مؤسساتنا التعليمية كافة؛ ندرك أن العربيةَ لغةٌ تتميّز بخصائص فريدة جعلتها قادرة على مواكبة العلوم عبر الأجيال المتعاقبة؛ فهي لغة اشتقاقية غنية بالمفردات، ويمتلك أبناؤها مرونةً عالية في التعبير عن أدق المعاني والمشاعر، وتتمتع بقابلية كبيرة للتجديد والتطوّر ومواكبة العلوم المتجددة. ومنها انتقلت العلوم إلى الحضارة الأوروبية وأسهمت في نهضتها. كما شكّلت أساسًا لآداب رفيعة، من شعر ونثر وخطابة، وما زالت اللغة العربية إلى يومنا هذا مصدرَ إلهام للأدباء والمفكرين وطلبة العلم.
وفي ظل التحديات المعاصرة؛ يكتسب يوم اللغة العربية أهمية مضاعفة؛ لتكون في مكانها مع اللغات الأخرى في مجالات التعليم والعمل والإعلام والتواصل الاجتماعي، ولا نُغفل التأكيد على أهمية استخدام العربية الفصيحة، بالرغم من انتشار اللهجات المختلفة. ولا يُقصدُ بذلك التقليل من شأن تعدد اللغات واللهجات؛ بل يؤكد الحاجة إلى تحقيق توازن يحفظ للعربية مكانتها لغةَ علمٍ ومعرفةٍ وإبداع وتواصل.
ونؤكد أن الاحتفاء بيوم اللغة العربية دعوة عملية لكل فرد ومؤسسة لتحمّل مسؤولية النهوض بها. فالمدرسة تعزز حب العربية في نفوس الطلبة؛ عبر المناهج التعليمية والأنشطة اللاصفية والمبادرات واتّباع أساليب تعليم حديثة تربط اللغة بالحياة والإبداع، وتُخرِجها من إطار الحفظ والتلقين. والمؤسسات التعليمية كافة تعمل على استدامة دعم البحث العلمي باللغة العربية، وتشجيع الترجمة والتأليف؛ إذ يسهم ذلك في إنتاج معرفة رصينة بلغتنا الأم إلى جانب انفتاحنا على لغات العالم كافة.
ونحن نجدد العهد في هذا اليوم؛ بأن تبقى العربية حاضرةً حيّةً في مؤسساتنا التعليمية، ومناهجنا وعلومنا، راسخةً في عقولنا، نابضةً في قلوبنا.
وكل عام ولغتنا العربية بخير، وكل عام وهي لغة العطاء والبيان.
وزيــــــــــــــر التربيـــــــــــــــــــــــة والتعليـــــــــــــم






