صدى الشعب – كشف أستاذ قانون دستوري، الدكتور ليث كمال نصراوين في مقالٍ وصل لـ(صدى الشعب) نسخة منه، عن آلية و إجراءات انتخاب رئيس مجلس النواب الـ20، و الذي انحصرت المنافسة به بين، المحامي صالح العرموطي و النائب أحمد الصفدي.
و تطرق نصراوين للمراحل التي تسبق انتخابات المكتب الدائم، عقب افتتاح جلالة الملك الدورة العادية للمجلس بإلقاء هطبة العرش في مجلسي الأعيان و النواب مجتمعين، و تالياً نص المقال:
افتتح جلالة الملك اليوم الاثنين الدورة العادية الأولى لمجلس النواب العشرين بإلقاء خُطبة العرش في مجلسي الأعيان والنواب مجتمعين، حيث تعتبر هذه المناسبة من الحالات المحددة دستوريا التي يجتمع فيها مجلسي الأمة معا.
فهما يجتمعان عندما يُقسم الملك إثر تبوئه العرش اليمين الدستورية الواردة في المادة (29) من الدستور، بالإضافة إلى اجتماعهما برئاسة رئيس مجلس الأعيان لحل الخلاف بينهما في إطار الوظيفة التشريعية وذلك عملا بأحكام المادة (92) من الدستور.
وبعد الانتهاء من مراسيم افتتاح الدورة العادية يعقد كل مجلس جلسته البرلمانية الأولى، حيث ستتجه الأنظار لمجلس النواب الذي سينتخب رئيسا له لمدة سنة شمسية واحدة، إذ تنبع أهمية الإسراع في اختيار الرئيس من أنه يُحظر على المجلس إجراء أي مناقشة أو إصدار أي قرار قبل انتخاب رئيسه، وذلك عملا بأحكام المادة (5) من النظام الداخلي لمجلس النواب.
وقد جرى تضمين النظام الداخلي جملة من القواعد الإجرائية الناظمة لهذه العملية، والتي تبدأ باختيار النائب الذي سيتولى رئاسة الجلسة الأولى قبل انتخاب الرئيس ونوابه ومساعديه، فنصت المادة (3) من النظام صراحة على أن يترأس النائب الأقدم في النيابة الجلسة الأولى لمجلس النواب، وفي حال التساوي في الأقدمية يجري اختيار النائب الذي فاز بعدد أكبر من الدورات، وإن تساووا في العدد يكون رئيس الجلسة الأولى النائب الأكبر سنا بينهم، على أن يساعده أصغر عضوين حاضرين سنا في المجلس المنتخب.
إن هذه التشكيلة التي فرضها النظام الداخلي للفريق النيابي الذي سيترأس الجلسة الأولى لمجلس النواب لن تتأثر بالتركيبة الجديدة للمجلس النيابي الحالي والمجالس المنتخبة القادمة التي سيكون النائب الحزبي هو الأساس فيها.
فهذه الرئاسة يجري اختيارها بحكم التشريع، وتكون مؤقتة بطبيعتها ولا تملك صلاحيات تقديرية واسعة على مجريات العملية الانتخابية. بالتالي، لا ضير من أن تضم نوابا من أحزاب سياسية متنافسة على مقعد رئاسة المجلس.
أما آلية انتخاب رئيس مجلس النواب، فتبدأ بقيام النائب الذي يقوم بأعمال رئاسة المجلس باختيار لجنة من ثلاثة نواب يسمي لها رئيسا، تكون مهمتها الإشراف على عملية الاقتراع والفرز وذلك عملا بأحكام المادة (13) من النظام الداخلي.
فإن كان الواقع العملي يقوم على مراعاة اختيار أعضاء هذه اللجنة من النواب الذين لا ينتمون لأحزاب سياسية متنافسة على منصب الرئيس، إلا أنه يمكن التفكير في المراجعة القادمة للنظام الداخلي بإيراد نص صريح يفرض على أعضاء لجنة الانتخاب الحيادية، وعدم جواز اختيار عضو في هذه اللجنة إذا كان الحزب المنتسب إليه سيترشح عنه نائبا لرئاسة المجلس.
وقد اهتم النظام الداخلي لمجلس النواب بتوفير مجموعة من الضمانات الحقيقية لنزاهة عملية انتخاب رئيس مجلس النواب، أهمها أنه أجاز لمندوبي المرشحين مراقبة عملية الاقتراع والفرز، وهو الحكم الإيجابي الذي سيسمح للأحزاب السياسية المتنافسة على مقعد الرئاسة أن تراقب من خلال نوابها في المجلس مجريات العملية الانتخابية .
كما فرض النظام الداخلي مبدأ علانية الترشح لمنصب الرئيس، إذ يقوم رئيس الجلسة بالطلب من كل نائب أن يعلن عن نيته الترشح للرئاسة وأمام جميع أعضاء المجلس. وعند البدء بعملية الاقتراع، يدعو رئيس الجلسة النواب الحاضرين للاقتراع بالمناداة على أسمائهم واحدا فواحدا، لتقوم لجنة الاشراف على الانتخابات بإعطاء كل واحد منهم ورقة اقتراع واحدة فقط.
وقد فرض النظام الداخلي على النائب المقترع أن يؤشر على اسم المرشح الذي يريد انتخابه في المعزل الخاص، وأن يضع الورقة بنفسه في صندوق الاقتراع وعلى مرأى من الحضور، وذلك عملا بأحكام المادة (13) من النظام الداخلي لمجلس النواب.
ويبقى العنصر الأهم في عملية انتخاب رئيس مجلس النواب يتمثل بالنظام الانتخابي المطبّق، الذي يختلف تبعا لعدد المترشحين لمنصب الرئاسة. فإذا كان المترشحان اثنين فقط، يعتبر فائزا بمنصب رئيس مجلس النواب من يحصل على الأكثرية النسبية من عدد أصوات النواب الحاضرين، وفي حال التساوي تُجرى القرعة بينهما.
أما إذا أعلن أكثر من نائبين رغبتهما بالترشح لرئاسة مجلس النواب، فقد اشترطت المادة (14) من النظام الداخلي حصول أحد المترشحين على الأكثرية المطلقة من أصوات النواب الحاضرين. وفي حال عدم حصول أي مرشح على هذه الأكثرية، يُعاد الانتخاب بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى الأصوات، بحيث يعتبر فائزا من يحصل على الأكثرية النسبية في الجولة الثانية، وإذا تساويا في الأصوات تُجرى القرعة بينهما .
إن هذه الآلية لانتخاب رئيس المجلس، والتي اشترط النظام الداخلي تطبيقها على اختيار النائبين الأول والثاني لرئيس المجلس، قد تتسبب في تأخير الإعلان عن رئيس المجلس وإجراء جولتين من الانتخابات في حال عدم حصول أي من المترشحين الثلاثة على الأقل على الأكثرية المطلقة من أصوات النواب المقترعين. وعادة ما تكون أي جولة ثانية من الانتخابات أقل جدية وحماسة وتقل نسبة المشاركة فيها، كما هو الحال في انتخابات نقابة المحامين الأردنيين على مستوى النقيب.
كما تسمح الجولة الثانية من انتخابات رئاسة مجلس النواب بعقد صفقات وترتيبات داخلية بين الأحزاب والكتل النيابية قد لا تفرز بالضرورة المرشح الأفضل أو الأكثر كفاءة لرئاسة المجلس.
لذا، يمكن التفكير بإعادة النظر في آلية انتخاب رئيس مجلس النواب لصالح اعتماد نظام الأكثرية النسبية بصرف النظر عن عدد المترشحين، بحيث يفوز بمنصب الرئيس المترشح الحائز على أكبر عدد من الأصوات. فهذا النظام يعد أكثر توافقية مع وجود الأحزاب السياسية في المجالس النيابية ومراعاة لخصوصية كل منها، إذ يصعب على بعض الأحزاب لأسباب أيديولوجية وفكرية أن تتوافق مع أحزاب أخرى وتبرم معها صفقات انتخابية في الجولة الثانية من انتخابات رئاسة مجلس النواب.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة