كتبت – نور الدويري
من الواضح أن الاجتياح البري البطيء لقوات الاحتلال لغزة كان قياسا لعدة معايير فكرت فيها حكومة الطوارئ في اسرائيل، اولها قياس طاقة احتمال إسرائيل لخوض حرب طويلة، وثانيها محاولة دراسة استراتيجية المقاومة وثالثها تباين الرأي القيادي في إسرائيل لتنفيذ مرحلة تفريغ جديدة وفقا لاستراتيجية بن غوريون الشهيرة (بالانتقال او التحويل الــ ترانسفير «transfer» ) ليبدو ان عملية تنفيذ مرحلة خطيرة من خطة الترانسفير بدأت بوضوح، إذ يبدو ان عمان التقطت هذه التحليلات التي ظهرت في تحركات و تصريحات الحكومة الاردنية والاجراءات التصعيدية الرسمية وفقا لتوجيهات جلالة الملك لتتجسد تحليلات الملك في مقاله المنشور في صحيفة واشنطن بوست يوم 14 تشرين الثاني والذي حمل قلقا بالغا على مستقبل القضية الفلسطينية وتحذيرا جديدا للعالم ليس فقط على مستقبل المنطقة فحسب إنما على الأثمان الباهظة التي ستلاحق الكيان خلال عملية التفريغ الجديدة اذ ان جريمة الحرب والابادة التي ترتكبها قوات الاحتلال لا يمكن السكوت عنها بالمطلق.
ماذا يحدث دخل قيادات الفصائل والسلطة اليوم؟
بات من الجلي ان السلطة الفلسطينية في تخبط كبير إذ لا يبدو ان هنالك مساعي جدية تجاه احد في المنطقة او العالم لإيقاف الحرب على غزة، وهذا يؤكد ان السلطة تعلم تماما أن الأمور خرجت عن السيطرة لا سيما بعد الضغوطات التي تمارس على فتح والجبهة الشعبية ومحاولاتهم دخول النزاع بشكل غير مباشر في عدة مناطق والتي لا يبدو انها تحمل صور دعم قيادي شامل داخل الفصائل التي تحاول لعب دور محوري ما في هذه المرحلة الخطرة على الجميع، والتي تمثلت في نشر بعض المناشير التحريضية التي حاول بعض المنتمين للفصائل في الأردن تحريك الرغبة في المرابطة عونا لأهل غزة، والتي لا يُرى منها سوى محاولات مفككة لدخول أجواء المقاومة، من ناحية أخرى تعيش حماس صدمة فائقة بعد امتداد الحرب رغم اعلان ابو عبيدة المستمر انهم على أتم الاستعداد لعقد هدنة وتبادل الاسرى، والذي قوبل بالتجاهل الكامل من قبل قوات الاحتلال، لتتضح الصورة اكبر ان تعويل حماس على حرب شوارع النقطة الأخيرة التي يمكنهم الاعتماد عليها رغم الانتصارات التي احتسبت لحماس بالقضاء على العديد من الآليات وجنود الاحتلال، الا انه يطرح للفكر المنطقي الذي يحيد العاطفة سؤالا مهما عن ماهية قدرة حماس الحقيقية على متابعة الحرب والتي يبدو أنها ستستمر وفق التوقعات حتى نهاية العام!
لتبدو ان الإجابات المفتوحة على هذا السؤال الخطير عديدة وفقا لعدة سيناريوهات لاحقت عملية 7 أكتوبر منها هل تجاهلت عمدا إسرائيل تصريحات زاهر جبارين المبكرة برغبة المقاومة في صناعة ما توقعته «صفقة شاليط2 « إما أن هذا الأمر كان تدبيرا بين إسرائيل وايران لدفع المقاومة لتفجير مرحلة الترانسفير جديدة لتتذرع قوات الاحتلال امام العالم لبدء عملية تفريغ جديدة وممارسة عمليات سياسية ضاغطة في المنطقة، أو ان إيران بريئة فعلا لا سيما ان حزب الله هدف لامع في خطة ترانسفير القادمة، أو ان الامر جاء عفويا بعد شعلة 7 أكتوبر ليفجر اسرائيل؟ العديد من الأسئلة المربكة تلوح في الافق، والضحية مسلسل تطهير عرقي غير مسبوق في غزة وعمليات تهويد خطرة في الضفة الغربية.
إسرائيل تفكر في تنفيذ مرحلة التفريغ الأخطر
لا يمكن حذف التوقع القائم الان في حكومة الطوارئ وحجم القلق العارم لديهم فيما اذا كانوا مستعدين فعلا لهذه المرحلة الخطرة، إذ تدرك قوات الاحتلال ان مقابل كل شهيد فلسطيني يولد عشرات المقاومين الثأريين بمعنى ان فكرة حماس لا يمكن القضاء عليها لان المقاومة ستأتي كل يوم بمرحلة اكبر واخطر لتحصيل حقوقهم التي ابتلعتها إسرائيل وسط صمت العالم، ولابد انهم يعلمون ان السنة القادمة لن تحمل البشائر لهم بحجم الاستعداد للأهوال إذ يقبلون على مرحلة انتقاء حكومة جديدة فهل يستعد العقل الجمعي في إسرائيل بعد أن يستيقظ من خوفه العارم لإعادة حكومة يمينية متطرفة للحكم وسط هجرة عشرات الآلاف من اليهود الصهاينة من إسرائيل بتذكرة ذهاب لا عودة فيها، الجنون في المكاتب المغلقة والاجتماعات السرية سيد الموقف الان إذ يبدو أن العديدين يوافقون نتنياهو في تحويل الحرب لحرب دينية والبدء بتنفيذ استراتيجية الترانسفير لبن غوريون رغم كل التخوفات التي تعلم إسرائيل إنها خلقتها من جديد لتبدو الخارطة الخضراء على اكبر كذبة روجت لها إسرائيل منذ حرب الـ 48.
مستقبل المنطقة، ودور الأردن
تمسك الأردن في حل الدولتين ابدا ودائما في موقف ثابت رغم كل التشاؤمات الدولية مؤخرا من استحالة تنفيذ هذا المطلب، والتزم الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بتحذير العالم مرارا وتكرارا في كل المناسبات من تفجر الأوضاع ، إذ كان واضحا ان الأردن يقرأ المشهد بشكل مختلف عن الجميع ويدرك خطورة الهدوء الحذر الذي سبق 7 أكتوبر، لتؤكد مقالة الملك المنشورة في صحيفة واشنطن بوست كل هذه التحذيرات بل وتحمل رسائل جوهرية مقلقة لشكل ومستقبل المنطقة قريبا، ويحاول في مقالته التي وجهت للشعوب الغربية ان يعوا هول الواقعة وحجم الكارثة الانسانية لمحاولة دفعهم لضغط اكثر على حكوماتهم لتحرك الفوري لإعلان الهدنة، بعد جولاته المكوكية في المنطقة والعالم، موضحا ان اللادولة لفلسطين سيعني تكاليف باهظة ستتحملها المنطقة وهذا انعكاس طبيعي بعد هضم حقوق الفلسطنيين وتهويد اراضيهم وقتلهم بشكل مرعب، لدفع البقية للجوء طوعيا من أراضيهم نحو الدول المجاورة (الاردن، مصر) إذ أكد الملك عبدالله في مقاله أن المناشير التحذيرية التي تنشرها قوات الاحتلال لأهالي غزة لن تخرجهم من منازلهم لان المجهول والموت يتربص بهم لا محالة، لذا عملية تهجيرهم لن تكون سهلة هذه المرة.
إن الانحراف الحاد الذي تقوده إسرائيل الان في غزة لا يمكن مقارنته بعمليات مراحل التراسنفير السابقة لان التباين لرأي الغربي الرسمي والشعبي يزداد قوة ويتغير نحو دفع الشعوب الغربية حكوماتها لتغير مواقفها ودعمها لاسرائيل بعد تحرك شعوب العالم للتنديد بالمجازر التي ترتكبها اسرائيل بحق الفلسطينيين، وولادة آلاف المقاومين الفلسطينيين الذي سيسعون للثأر لقضيتهم، فهل تستطيع إسرائيل استيعاب هذه التكاليف الباهظة التي كشفت الغطاء للعالم عن صندوق تاريخ أسود عاشه الفلسطينيون منذ 76 عاماً.