بدأ التفاعل مع الجريمة التي ارتكبت بحق فتى الزرقاء على يد زمرة من الخارجين على القانون يخفت تدريجيا، وستصبح في القريب العاجل جزءا من تاريخ الجرائم البشعة التي شهدها الشارع الأردني، وحينها سيعود صالح إلى حياته اليومية، لكن بلا أطراف، وسيعيش وحده مع ألم العاجز عن أن يكون طبيعيا جراء ذلك.
في كثير من التعليقات والمتابعات، تم تحميل الأمن العام والحكام الإداريين جزءا كبيرا من مسؤولية ما حدث لصالح، أو على أقل تقدير، تم الغمز من قناتهم تحت مبرر أن هؤلاء المجرمين كانوا يتجولون في الشوارع بكامل حريتهم، ومارسوا كل أصناف الترهيب بحق الناس، من دون رقيب أو حسيب، ولم يزج بهم في أتون السجون. ما يقوله الناس على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي إن رجال الأمن لم يقوموا بواجبهم في تنظيف الشوارع من هذه العينة من البشر، وتركوهم ليبطشوا بالناس، وهذا انطباع أبعد ما يكون عن الواقع.
وزير العدل بسام التلهوني، علق على الحادثة في حينها، وأشار إلى أمرين اثنين، الأول أن القانون سيأخذ مجراه وسيتم تطبيق أشد العقوبات بحق مرتكبي الجرائم التي من شأنها الإخلال بالأمن والسلم المجتمعي وترويع المواطنين، والثاني أن لدى الأردن جهازا أمنيا قويا قادرا على ردع واستئصال من تسول له نفسه الإخلال بالمجتمع وأمن المواطن وسلامته.
لنقف قليلا عند الجزء الأول من تصريح التلهوني، ونترك الثاني لأننا جميعنا نتفق معه، فلا شك أن القانون سيأخذ مجراه، وسيتم تطبيق العقوبات بحق المجرمين، لكن عن أي عقوبات يتحدث وزير العدل؟! فمعظم مروعي الناس في الشوارع تم تطبيق القانون عليهم من قبل، ولكن ذلك لم يردعهم، وما يزالون يمارسون الأفعال ذاتها، وبكل وحشية وحرية في الحركة.
لنكن واقعيين، إذ على منظومة العدل في المملكة أن تدرك جيدا أن هؤلاء الأشخاص الخطرين قد قام جهاز الأمن بواجبه تجاه أفعالهم، فألقى القبض عليهم في أكثر من مكان وزمان، وقد اتخذت جميع الإجراءات الأمنية بحقهم، لكن عند تحويلهم إلى القضاء فإنهم يحاكمون وفق نصوص قانونية غير كافية للردع، إذ يزج بهم في السجون بفترات زمنية متفاوتة، لينعموا بعدها بالحرية، ولا يتم أي إجراء آخر في حقهم سوى خضوعهم للتوقيع الإجباري بشكل يومي في المراكز الأمنية، بينما سيترك هؤلاء أحرارا في الحركة والتنقل ما بين كل توقيع وآخر، وسيظلون في مواجهة الناس المتضررين من أفعالهم، وبالتالي سوف يظل المتضرر يتملكه الخوف من تقديم أي شكوى ضدهم، لإدراكه وحشيتهم ويدهم الطائلة.
المشكلة لا تكمن في قدرة الأجهزة الأمنية على تتبع هؤلاء، فهذه الأجهزة تؤدي دورها على أكمل وجه، وإنما في عدم قدرة الحكومة على إيجاد عقوبات رادعة بحق مثل هؤلاء، ولنا أن نتخيل لو لم تحول قضية الفتى صالح إلى محكمة أمن الدولة وبقيت في المحاكم، عندها سيكون من السهل على أي محام أن يمد أمد التقاضي لأشهر طويلة، كأن يطالب مثلا بشهود على الجرم الواقع بحق فتى الزرقاء.
سنوات طويلة مضت والدعوات ما تزال تتواصل بشأن تطوير التشريعات، وتغليظ العقوبات في جرائم الإيذاء والقتل، لكن أحدا لم يستمع إليها، فما نزال، إلى اليوم، نتهاون في هذا الأمر من دون مبرر، كما فعلنا تماما تجاه المستهترين بالأرواح والممتلكات خلال القيادة في الشوارع، وممن يتسببون في إيذاء الناس وقتلهم، وأيضا تجاه مرتكبي عمليات السطو، والمتهربين ضريبيا، ومقتني السلاح غير المرخص، ومن يطلقون الرصاص في الأعراس والمناسبات.
الأمر لا يتوقف عند إلقاء القبض على المجرمين وتحويلهم إلى القضاء، إذ في الأغلب ينتهي هنا دور رجال الأمن والحكام الإداريين، فمهما كان المنجز في هذا الاتجاه مثاليا فإنه لن يكون مكتملا ما لم ترافقه نصوص قانونية أكثر حزما وصرامة، وتستطيع أن تقدم الردع المناسب على أي فعل خارج على القانون.