صدى الشعب – سيف الدين القومان
تعتبر الرقعة الخضراء في الأردن أحد العناصر الأساسية التي تساهم في استدامة البيئة وتحقيق التوازن البيئي، إلا أن هذه الرقعة شهدت تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.
وقال الباحث في مجال البيئة والتغير المناخي المهندس حمزة اخميس، إن المملكة تشهد تراجعاً ملحوظاً في الغطاء النباتي، وذلك نتيجة لعدت عوامل وتداخل الطبيعية والبشرية، فقد كان الغطاء الحرجي يشكل ما يقارب 4.6% من مساحة المملكة عام 1930، لكنه اليوم نخفض إلى أقل من 1% .
وأضاف في حديثه لــ”صدى الشعب”، إن ذلك يعكس مؤشرًا وأزمة بيئية خطيرة تهدد التوازن الطبيعي والتنوع الحيوي، حيث يعود هذا التراجع إلى العديد من الأسباب وتختلف باختلاف الأقاليم الطبيعية في الأردن، إذ تتباين خصائصها المناخية والبشرية، الأمر الذي ينعكس على درجة التصحر وتدهور الأراضي و الغلاف البيئي فيها.
وقال اخميس، إن إقليم الصحراوي، الذي يغطي معظم مساحة الأردن، يسوده مناخ شديد الجفاف، حيث يتميز الاقليم بارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار، وهو ما يجعل التربة ضعيفة الإنتاجية وهشه ويؤدي إلى تراجع الغطاء النباتي بشكل ملحوظ.
وبحسب اخميس، يرتبط هذا التدهور بشكل أساسي بالعديد من العوامل الطبيعية، مثل التغيرات المناخية وندرة المياه، أما الإقليم الهامشي، الذي يشكل منطقة انتقالية بين الصحراء والمرتفعات، فيتسم بهشاشته وضعف قدرته على تحمل الضغوط البيئية وتغيرات المناخية من ناحية الأمطار إلى جانب التدخلات البشرية المتمثلة في حراثة المراعي الطبيعية وتحويلها إلى أراضٍ زراعية، أدت إلى تفكك التربة وفقدانها المواد العضوية، مما سرّع من عمليات التصحر .
ولفت اخميس، أما إقليم المرتفعات الجبلية، الذي يتميز و يُعد من أغنى الأقاليم بالغطاء الحرجي، فقد تأثر بشكل واضح بالأنشطة البشرية، من خلال الزحف العمراني والتوسع في إنشاء المناطق السكنية والزراعية كان على حساب الغابات الطبيعية.
ولا سيما في محافظات جرش وعجلون واربد، وهذا التوسع العمراني يُعد أحد أبرز العوامل المسؤولة عن تناقص الغابات، حيث تم استبدال الأشجار الحرجية بمبانٍ ومجمعات ومناطق ترفيه وطرق وبساتين زراعية، وفي إقليم غور الأردن، الذي يتميز بتربته الخصبة واعتدال مناخه، فإن الاستغلال المفرط للموارد المائية عبر الري المكثف أدى إلى تملح التربة وتدهورها، وهو ما انعكس سلباً على الغطاء النباتي.
وأوضح، أنه وإلى جانب هذه العوامل المرتبطة بخصوصية كل إقليم، توجد أسباب عامة ساهمت في تسريع تدهور الغطاء الحرجي، من أبرزها الرعي الجائر الذي حال دون تجدد الغابات الطبيعية، والاحتطاب العشوائي والتفحيم حيث استُغلت الأشجار كمصدر للطاقة وإنتاج الفحم دون ضوابط، فضلاً عن الحرائق المتعمدة التي أشعلها بعض المزارعين لتوسيع أراضيهم الزراعية. كما أن الحرب العالمية الأولى لعبت دوراً في استنزاف الغابات عندما جرى الاعتماد على أخشابها لتعويض نقص الفحم الحجري.
ولفت أخميس، بأن هذه الازمة فاقمت المشكلات مع التغير المناخي الذي يشهده الأردن، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدلات الأمطار إلى زيادة معدلات الجفاف في المنطقة، مما جعل الغابات أكثر عرضة للحرائق، وهذا الوضع انعكس أيضاً على التنوع البيولوجي، حيث انخفضت كثافة الغطاء النباتي في المناطق الخاضعة للرعي المكثف، بينما أظهرت المناطق المحمية مثل محمية اليرموك تحسناً ملحوظاً في التنوع الحيوي بعد منع الرعي لفترة طويلة.
وبين، بأن العلاقة بين استغلال الموارد الطبيعية بشكل غير مستدام وتدهور البيئة علاقة وثيقة ومباشرة، فالزراعة الكثيفة في المرتفعات اقترنت بعمليات حرق للغابات من أجل توسعة الأراضي الزراعية، بينما أدى الري المفرط في غور الأردن إلى تدهور التربة وفقدانها خصوبتها، وفي الوقت نفسه، فقد ساهم قطع الأشجار الجائر في تقليص الغابات بنسبة تفوق 80% خلال قرن واحد فقط، مما جعل الأراضي أكثر عرضة للانجراف والتصحر.
وتباع، أنه وأمام هذا الواقع، يبرز دور المنظمات البيئية المحلية كعنصر محوري في مواجهة الأزمة، وذلك من خلال إطلاق مبادرات للتشجير المجتمعي، وتنظيم حملات توعية حول أهمية حماية الغابات، والتعاون مع السلطات لرصد التعديات مثل الاحتطاب والحرائق. كما يمكن لهذه المنظمات أن تضغط على البلديات لتخصيص مساحات خضراء حضرية وفق المعايير العالمية، التي توصي بتوفير 9 أمتار مربعة من المساحات الخضراء لكل فرد على الأقل، وأنه ومن شأن إدماج المدارس والجامعات في برامج بيئية عملية أن يعزز ثقافة الحفاظ على الغطاء الحرجي لدى الأجيال القادمة.
واشار اخميس، أن تراجع الغطاء النباتي في الأردن، وخاصة الغطاء الحرجي، ليس وليد عامل منفرد، بل نتيجة تفاعل معقد بين العوامل الطبيعية، مثل الجفاف والتغير المناخي، والعوامل البشرية مثل الرعي الجائر والاحتطاب والزحف العمراني والزراعة الكثيفة، ومع أن هذه الأزمة تمثل تحدياً بيئياً خطيرًا، فإن مواجهتها ممكنة عبر سن تشريعات صارمة، وتبني سياسات تخطيط عمراني صديقة للبيئة، وتنفيذ برامج تحريج صناعي واسعة، إلى جانب إشراك المجتمع المحلي في جهود الاستدامة، بما يضمن الحفاظ على ما تبقى من الغابات وإعادة توسيع رقعتها مستقبلاً ” .
وأكد أخميس وفي ظل هذه التحديات بسن تشريعات لحماية الغطاء الحرجي من خلال منع الرعي داخل المناطق الحرجية التي تحتوي على أشجار فتية أو حديثة التحريج، نظرًا لما يسببه الرعي من إعاقة لتجدد الأشجار نتيجة التهام الشتلات من قبل الحيوانات، ولفت إلى أهمية تطوير نظام إنذار مبكر لمكافحة حرائق الغابات، وذلك بتركيب أجهزة استشعار حراري قادرة على رصد أي ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة والإبلاغ الفوري عن الحرائق المحتملة.
وأشار إلى أهمية فرض تشريع ملزم للتشجير الفردي، بحيث يلزم أصحاب العقارات والمنازل بزراعة شجرة حرجية واحدة على الأقل داخل حدود ملكيتهم أو أمام منازلهم، للمساهمة في زيادة الغطاء النباتي الحضري، وتركيب أنظمة مراقبة ذكية في الغابات بهدف رصد التعديات من قطع الأشجار أو أعمال التخريب وتوثيقها لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة .
ولفت اخميس إلى أهمية التوسع في مشاريع التحريج الصناعي باستخدام أنواع نباتية مقاومة للجفاف، مثل الصنوبر الحلبي نظراً لقدرتها على التكيف مع المناخ الأردني وإجراء دراسات تحليلية لآثار التوسع العمراني والزيادة السكانية على الغطاء الحرجي في الأردن لتوجيه سياسات التخطيط الحضري نحو التوازن البيئي، الاعتماد على تقنيات الاستشعار عن بعد، من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، لتحديد المساحة الفعلية للغابات وتقييم حالة الغطاء النباتي بدقة ميدانية ،إجراء دراسة شاملة متعددة العوامل لتحديد أبرز المسببات المباشرة وغير المباشرة لتدهور الغابات في الأردن، مع تقديم توصيات تنفيذية مبنية على أدلة علمية لمعالجة تلك التحديات.






