صدى الشعب – كتب محمد علي الزعبي
مصطفى الرواشدة ليس طارئًا على المشهد الثقافي الأردني، بل هو امتداد طبيعي لقامة تربوية ونقابية حملت همّ الإنسان، وفهمت أن الثقافة ليست أداة للتجميل، بل سلاح لبناء الدولة، وترسيخ الوعي، وصياغة القيم. يدخل وزارة الثقافة برؤية إصلاحية هادئة، لكنها عميقة، واضعًا نصب عينيه أن الثقافة لا تنمو في الفراغ، بل تحتاج إلى مؤسسات تؤمن، وشركاء يخلصون، وقيادة لا تتردد.
وفي هذا السياق، يطل مهرجان جرش كأحد أهم تجليات المشروع الثقافي الأردني، لا كمجرد تظاهرة فنية موسمية، بل كحالة حضارية تختزل روح الأردن المتنوعة، وتعبّر عن المزاج الجمعي للأردنيين وهم يعانقون إبداعهم. لم يكن تجديد هوية مهرجان جرش عملية عابرة، بل جاء نتيجة تراكم من الجهد، أسهم فيه الوزير مصطفى الرواشدة برؤية الدولة، وأسهم فيه أيضًا المدير العام للمهرجان الأستاذ أيمن سماوي، الذي قاد مراحل مهمة في إعادة رسم المهرجان كمنصة للفن الرفيع، ومسرح للتعددية، ومرآة لثقافتنا الوطنية الحية. العلاقة بين الرواشدة وسماوي لم تكن علاقة منصب، بل علاقة مشروع، فيها تناغم واضح بين فكر الوزير ومسار التنفيذ، بين من يضع الرؤية ومن يجسّدها على أرض المهرجان.
ولعل ما شهدناه هذا العام في مهرجان جرش من تطور نوعي في البرامج، وعودة قوية للثقافة الجادة، والحضور الواثق للإبداع المحلي، يؤكد أن هناك منظومة ثقافية جديدة تُبنى بعيدًا عن الضجيج، منظومة تراهن على الإنسان، وتستثمر في وعيه، وتحتضن الشباب، وتمنح للمثقف الحقيقي مكانه الطبيعي لا الهامشي. بات المسرح الجنوبي لا يكتفي بتقديم الطرب، بل يحتضن الشعر والمسرح والرسالة، وأصبح للكتاب نصيب في ساحات المهرجان، وللرواية حضور، وللذاكرة الوطنية وقع خاص.
في فكر الرواشدة، لا تُختزل الثقافة في الفعالية، بل تُحرّر من نمطيتها، وتُوظف في تكريس منظومة قيم وطنية تنسجم مع المشروع الأردني الكبير في التحديث الشامل. ولأول مرة منذ سنوات، نشهد هذا التناغم بين وزارة الثقافة وإدارة مهرجان جرش، حيث تتكامل الأدوار، ويتّسق الخطاب، وتُكسر المركزية، فالمهرجان يخرج إلى المحافظات، ويحمل ملامح الوطن كله، ويمنح المواهب من القرى والأطراف فرصة الصعود.
ليست المسألة تزيين جدران أو ملء جداول، بل إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والثقافة، بين الجمهور والمحتوى، بين الفنان وقيمته في المجتمع. إنها نقلة تُدار بعقل الدولة لا بمنطق الحفلة، تُبنى على وعي بأهمية الثقافة كحائط صد في زمن التفاهة والتفكك، وكوسيلة لخلق منعة وطنية ناعمة لا تقل أهمية عن منعة الاقتصاد والأمن.
في حضور مصطفى الرواشدة في وزارة الثقافة، ثمة نفس جديد لا يُقاس بعدد المهرجانات، بل بمقدار ما يُنتج من وعي، وما يُزرع من فكر، وما يُستعاد من قيم. وفي تكامل أدواره مع الأستاذ أيمن سماوي في مهرجان جرش، تُكتب اليوم رواية جديدة للفعل الثقافي الأردني، رواية عنوانها أن الثقافة لم تعد تتسول دورها، بل تصنعه.





