صدى الشعب – سليمان أبو خرمة
في ظل الرحلة الممتدة للتنمية المستدامة التي تسعى إليها المملكة، تبرز المؤسسات التعاونية كعنصر حيوي ومحرك رئيسي للتحول الاقتصادي والاجتماعي، تحت إشراف ملكي متواصل وتوجيهات، تشهد هذه المؤسسات تقدماً نوعياً يعكس الاهتمام العميق بتعزيز دورها كأداة رئيسية في تحقيق الرخاء والاستقرار للمجتمعات المحلية.
منذ بداية عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، والذي اعتبر دعم التعاونيات وتحفيزها جزءاً لا يتجزأ من رؤيته للتحديث الاقتصادي، شهد القطاع تطورات ملحوظة، وبرزت التعاونيات كمحور مركزي في الساحة الاقتصادية، من خلال دعم مشاريع الإنتاج والخدمات التي توفر فرص عمل مستدامة وتساهم في حل مشاكل الفقر والبطالة.
ولقد نجحت المؤسسة التعاونية في جذب الدعم المالي من الجهات الدولية والمحلية، حيث تم تخصيص ملايين الدنانير لتنفيذ مشاريع تنموية حيوية، هذه المشاريع لم تكن مجرد أرقام إحصائية، بل كانت نقطة تحول حقيقية في حياة الكثير من أعضاء التعاونيات وسكان المناطق المحلية، حيث أتاحت لهم فرص العمل وزادت من مداخيلهم الشخصية.
من جانب آخر، لم تكن جهود التعاونيات مقتصرة على مجال الإنتاج فقط، بل تجاوزت ذلك لتشمل تطوير قدرات العاملين والموظفين في هذه المؤسسات، بفضل برامج التدريب الدورية والشراكات الدولية، تمكن العديد من الأفراد من اكتساب المهارات اللازمة لتحسين أدائهم وتعزيز قدراتهم في مجالات متعددة.
وعلى صعيد التنظيم، قامت المؤسسة التعاونية بإعادة هيكلة وتطوير الجمعيات الفاعلة، بالإضافة إلى تعزيز معايير الشفافية والنزاهة لضمان الاستدامة المالية والإدارية لهذه الجمعيات، كما شاركت في إعداد دليل تدقيق تعاوني بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، لتعميم هذه المعايير على مستوى الشرق الأوسط.
لا يمكن إنكار دور التعاونيات في الحفاظ على الموارد المحلية وتعزيزها، بالإضافة إلى اعتماد ممارسات اقتصادية مستدامة تسهم في حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة على المدى البعيد، فهي تمثل نموذجاً يحتذى به في تحقيق النمو الاقتصادي الشامل وتحسين مستوى المعيشة للمجتمعات المحلية.
من ناحية أخرى، لم تكتف التعاونيات بدورها الاقتصادي، بل امتدت جهودها لتعزيز المساواة بين الجنسين ودعم المبادئ الديمقراطية داخل أسوارها، مما جعلها تلعب دوراً محورياً في تعزيز الهوية التعاونية العالمية.
حافز رئيسي للنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل
في خطوة تعكس التزامها الراسخ بدعم الاقتصاد المحلي وتعزيز فرص العمل، قدمت المؤسسة التعاونية الأردنية دعماً مالياً بلغ إجماليه 1.864 مليون دينار خلال العام الماضي، من خلال تمويلات من جهات مانحة دولية ومحلية، لصالح 48 تعاونية موزعة في مختلف المحافظات، هذه الدعم المالي ساهم في تنفيذ مشاريع تنموية وإنتاجية، مما أدى إلى توفير فرص عمل للأعضاء التعاونيين ولأبناء المجتمع المحلي.
وقدم برنامج إعادة تأهيل البادية، التابع لوزارة البيئة، قدم دعماً مالياً بقيمة 265 ألف دينار لأربع تعاونيات في مناطق البادية، يأتي هذا الدعم ضمن مشروع إنشاء واستدامة الجمعيات التعاونية الرعوية، الذي يستمر على مدار عشر سنوات من 2014 إلى 2023، بتكلفة إجمالية تصل إلى 2.765 مليون دينار.
وتعمل المؤسسة على تسهيل حصول أربع تعاونيات على منح مالية بقيمة إجمالية 60 ألف دينار لكل منها، من مشروع الاستثمار في المجترات الصغيرة وانتشال الأسر الريفية من الفقر، الممول من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، بهدف إنتاج خلطات علفية.
وبعد إجراءات التدقيق والمصادقة، أصدرت المؤسسة العام الماضي حوالي 877 ميزانية لجمعيات تعاونية نشطة، بالإضافة إلى إعداد دليل التدقيق التعاوني بالشراكة مع منظمة العمل الدولية وهيئة العمل التعاون الفلسطينية، بهدف تعميمه على باقي دول المنطقة، كما تقوم المؤسسة بمتابعة مؤشرات امتثالها والجمعيات التعاونية لمعايير النزاهة الوطنية، التي أصدرتها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
وقد عملت المؤسسة على تأهيل وبناء قدرات 117 موظفاً عبر إلحاقهم بـ245 دورة تدريبية محلية ودولية مختلفة، بالإضافة إلى تدريب 325 تعاونياً على مناهج دولية لتعزيز مهاراتهم وتطوير قدراتهم التشغيلية.
وفيما يتعلق بالأصول والأعضاء، بلغ عدد الجمعيات التعاونية في المملكة نهاية العام الماضي 1477 جمعية، منها 348 جمعية زراعية و77 جمعية نسائية، تشكل 24% و5% على التوالي، ويبلغ عدد الأعضاء التعاونيين حوالي 130 ألف عضو، حيث فتحت التعاونيات نحو 25 ألف فرصة عمل دائمة وموسمية، مع توقعات بزيادتها إلى أكثر من 30 ألف فرصة عمل مع تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحركة التعاونية.
وبالنسبة للزراعة، بلغ حجم مبيعات بذار القمح والشعير المحسن منذ بداية الموسم وحتى نهاية الشهر الماضي، 3159 طناً بقيمة إجمالية 1.418 مليون دينار، وقدمت الحكومة دعماً بقيمة 316 ألف دينار لمزارعي القمح والشعير، المستفيدين من محطات إكثار البذار، بمعدل 100 دينار لكل طن من البذار المغربل.
وتطلق المؤسسة العديد من الأعمال التطويرية لرفع القدرة الإنتاجية لمحطات إكثار البذار، بتمويل من الخطة الوطنية للزراعة المستدامة وموازنتها الخاصة، بهدف تعزيز البنية التحتية وتحسين الأداء.
وفي إطار الإيرادات والمصادر المالية، قامت المؤسسة بتحويل مبلغ مالي قدره 432 ألف دينار إلى الخزينة العامة خلال العام الماضي، ناتج عن تحصيل قروض سابقة ومداخيل مشروعاتها المختلفة.
وفي مجال التكنولوجيا والتحديث، أعدت المؤسسة نظام الجمعيات التعاونية الإلكتروني، الذي يعد قاعدة بيانات تعمل على توفير المعلومات والبيانات لمديريات التعاون في المحافظات، لتحقيق أقصى استفادة من البيانات وتسهيل الإجراءات الإدارية.
وفي إطار التعاون الدولي، أبرمت المؤسسة سبع اتفاقيات مع منظمات دولية ومحلية، تشمل تسويق منتجات التعاونيات، وتدريب الكوادر البشرية، ودعم المشاريع الإنتاجية، مما يعزز من دورها في الساحة الدولية والإقليمية.
وفي الوقت الحالي لم تكن المؤسسات التعاونية مجرد مؤسسات اقتصادية، بل أصبحت روافد حيوية تسهم في نهضة المجتمعات المحلية، وبفضل رؤية مستدامة ودعم ملكي ثابت، استطاعت هذه المؤسسات تحقيق نجاحات ملموسة تعكس التزامها العميق بالتقدم والتنمية.